حطت طائرة الأمير تشارلز في مطار الملك خالد الدولي الساعة الحادية عشرة والنصف صباح يوم الثلاثاء 10 فبراير. كان موعد الوصول هو رسميا بداية عملي كسفير لدى المملكة العربية السعودية. البداية كانت في الصالة الملكية حيث اختلطت في ذاكرتي اسماء كبار المسؤولين السعوديين وانا احاول ان اضع الاسماء على الوجوه الكريمة التي التقيت بها في الصالة الملكية قبيل وصول الأمير تشارلز. كانت الزيارة ناجحة بجميع المقاييس. فهي كانت الزيارة الحادية عشرة للأمير تشارلز الى المملكة العربية السعودية. ومع انها كانت زيارة رسمية، الا انها عكست في معظمها مدى الروابط الشخصية التي تربطه بكبار الشخصيات هنا في المملكة سواء من داخل الاسرة الملكية او من خارجها. كما ان الزيارة في مجملها عكست مدى اهتمام الأمير تشارلز، وهذا ليس بجديد، بالثقافة العربية والاسلامية وتاريخ المنطقة. فرأيته متجاوبا ومتلذذا للقهوة العربية وحبات التمر الطازجة، ومنجذبا الى اصناف الاطعام التقليدي الحاضرة بشكل يومي على المائدة السعودية. وعلى الرغم من خبرتي الطويلة في العالم العربي الا انني لم اتذكر انني ذقت الجريش او المرقوق من قبل. انقضى برنامج زيارته في الرياض باجتماعات غلب عليها الجانب الثقافي والتاريخي، وهو كما يعلم الكثيرون من المهتمين بالعمارة الاسلامية، وكما سمعت فان الملك سلمان بن عبدالعزيز يعتبر من اهم المراجع الموثوقة في تاريخ المنطقة. وفي مدينة العلا كانت المفاجأة. تلك المدينة الصغيرة الهادئة المحاطة بالجبال الصخرية وبأفضل مزارع النخيل في العالم. عكست الجبال بالونها المختلفة مزيجا متداخلا من اشعة الشمس فأضحت القرية مثل لوحة زيتية جميلة. وهناك اخذنا صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العليا للسياحة، وصاحب السمو الملكي الامير فيصل بن سلمان، امير منطقة المدينةالمنورة، في جولة حول مدائن صالح و سكك حديد الحجاز ومنطقة حفريات خريبة، واختتمنا الجولة في مدينة العلا التراثية. لقد انبهر الأمير تشارلز بجمال المكان وثراء المنطقة الثقافي والتاريخي، حيث كان واضحا ان جهود الأمير سلطان في تطوير المنطقة الاثرية قد بدأت تأتي اوكلها وقد تم تسجيلها في هيئة اليونسكو. لقد استمتعنا بالامسية الثقافية الفلكلورية بالقرية التراثية ،حيث اهتم الأمير سلطان باحياء التراث القديم وتم الاحتفال في ميدان القرية الذي كان يستخدم في الماضي كسوق شعبية. وارتدى المحتفلون الملابس التقليدية واستمتع الامير تشارلز برقص العرضة السعودية وتذوق الاكلات الشعبية التي كانت شائعة في تلك الفترة. انني لست جديدا على المنطقة، حيث قضيت جل خدمتي الديبلوماسية التي بدأت عام 1978 في المنطقة العربية، باستثناء عملي في نيويورك ونيودلهي. التحقت بوزارة الخارجية البريطانية عام 1978 وبعد انتهائي من دراسة اللغة العربية عينت في البحرين ثم تونس حيث كنت نائبا لرئيس البعثة وبعدها انتقلت الى الخليج حيث عينت نائبا لرئيس البعثة في الاردن وبعدها قنصلا عاما في دبي ثم البصرة وبعدها عينت سفيرا لدى الدوحة ثم سفيرا لدى دمشق واخيرا سفيرا لدى بغداد، قبل عودتي الى لندن للتحضير لمنصبي الجديد في المملكة العربية السعودية، الذي اعتبره اهم محطاتي الديبلوماسية على الاطلاق، والفضل في ذلك يرجع الى اهمية الرياض ليس فقط لثقلها السياسي والاقتصادي في المنطقة والعالم، ولكن ايضا لدورها الرائد في حفظ السلام والاستقرار الدوليين. لقد كان الاسبوع الاول حافلا بالاجتماعات الرسمية حيث كنت ضمن الوفد الرسمي المرافق لصاحب السمو الملكي الامير تشارلز، اضافة الى انخراطي في حفلات الاستقبال والتعارف التي اقيمت بمناسبة تعييني في المملكة. كما اسلفت، يقوم الأمير سلطان بن سلمان بجهود جبارة لاحياء الارث التاريخي والثقافي للمملكة العربية السعودية، حيث سنحت لي الفرصة قبيل ايام من زيارة الأمير تشارلز بزيارة الدرعية وشاهدت بنفسي المراحل التاريخية التي مرت على تأسيس المملكة العربية السعودية من خلال عمليات الترميم التي تشارك فيها الشركة البريطانية بورو هابولد. لقد كنت محظوظا ايضا لسفري الى العلا، ملتقى الحضارات لأكون شاهدا على مراحل تطور المملكة العربية السعودية وموقعها الاستراتيجي على طريق الحرير من تلك الفترة الى وقتنا الحاضر. وقد لاحظت ان الشركة البريطانية تريكواز ماونتن تشارك ايضا في عمليات الترميم هناك. فبين مراحل التأسيس في الدراعية وملتقى الحضارات في العلا اكتسبت المملكة هذا الارث التاريخي والثقافي الفريد. اتطلع الى العمل مع اصدقائي السعوديين على جميع المستويات والتحليق بعلاقاتنا المتينة واخذها الى افاق جديدة. * السفير البريطاني لدى المملكة العربية السعودية