(الثقة) كلمة صغيرة في عدد حروفها كبيرة في مخرجاتها ومعانيها سامية في أهدافها وأبعادها. بمن نثق، ومتى نثق، وهل تتجزأ الثقة، وهل هي قابلة لحجبها عمن سبق وإن مُنحت له؟ تساؤلات كثيرة تستمد أجوبتها وأهميتها من واقع الحياة الأسرية والاجتماعية والعملية التي نعيشها كل يوم. في داخل الأسرة كثيرا ما يمنح أفرادها بعضهم البعض أعلى درجات الثقة انطلاقا من روابط ومصالح مشتركة يحرص الكل على الحفاظ عليها وتقويتها بكل الوسائل. في الدائرة المجتمعية الأوسع هناك روابط، وإن كانت أقل إلا أنها تحمل في طياتها سمات الحرص على المصلحة العامة وعدم التشكيك فيما يقوم به الفرد من مهام لخدمة مجتمعه. دعونا ننظر إلى هذه (الثقة) على أنها عملة صعبة يجب الحفاظ على كل مقوماتها وتأصيلها في كل تجمع وبيئة عمل. والسؤال هنا : هل هناك من وسائل يمكن لها أن تيسر علينا هذه الثقة، وهل من الضروري أن تكون هذه الثقة نابعة من مصادر عليا في إطار العمل أو المجتمع حتى نتبناها ونقتنع بأنها محل تقدير واهتمام. الثقة مفهوم راق للتعامل يجعل الواحد منا ينظر للآخر نظرة إيجابية بعيدة عن سوء الظن والتشكيك في النوايا والأفعال. بالأمس قرأت خبرا عن أحد المخابز كُتِبَتْ عليه لوحة تقول : (خذ ما تريد وادفع ما تريد، وإذا كنت لا تملك قيمة الخبز فالخبز مجانا) هذه العبارات بينت لنا كيف يمكن أن نزرع الثقة فيمن حوالينا ورسمت لنا نهجا يقوم على الثقة في التعامل. دعونا نفترض أن هناك قلة لن تلتزم بما كتب على اللافتة ولكن في النهاية ستنتصر الثقة وإن تعرضت لبعض الاهتزاز. ماذا ينبغي لنا أن نفعل حتى نكسب ثقة الآخرين، وإلى متى يمكن لهذه الثقة أن تستمر. من المهم هنا البحث عن مقومات العلاقة التي تربط بعضنا البعض، والتي تراعي وتهتم بالاجتهادات واختلاف الرأي، فلا يمكن لنا أن نتصور أن يكون هناك تطابق في كل شيء، والاختلاف إن حصل فيجب ألا يؤدي في النهاية إلى فقدان الثقة. استمرار الثقة ليس له حدود ولا زمن ولن ينتهي طالما لم تظهر أفعال أو تصدر أقوال تزعزع هذه الثقة، والإحساس بالثقة يزرع الأمل في النفس ويقضي على عوامل الفرقة. نحن اليوم أحوج ما نكون إلى بناء مجتمع وأمة تسودهما الثقة في كل مقوماتهما. لا بد للرئيس أن يتعامل مع مرؤوسيه بثقة كاملة يزرعها فيهم بتعامله وإنجازاته وتقبله لآرائهم وتحفيزهم، ولا بد للمعلم أن يبني جسور ثقة مع تلاميذه ليشكل الحافز لديهم للقناعة وتبني كل ما يقول لهم. الثقة في نهاية الأمر ستفتح الطريق أمام حوار هادئ وجاد يحقق المصلحة ويبعدنا عن الأنانية. الثقة كل لا يتجزأ فلا يمكن أن أثق بك اليوم في شأن وتهتز ثقتي بك في شأن آخر. متى ما وثقت بإنسان فقد بلغ لديك منزلة يستحق معها أن يكون شريكا في كثير مما تفعل وبالتالي شريكا لك في كل نجاح تحققانه معا.