بعودة السفير السعودي أحمد قطان إلى القاهرة أمس.. وفتح السفارة وقنصليتي «الإسكندرية والسويس» بعد رحلة الوفد الشعبي المصري إلى الرياض.. ولقائه بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.. يعود الصفاء من جديد إلى العلاقات السعودية المصرية إلى ما كانت عليه.. بل إن هناك فرصة عظيمة لكي تكون أفضل من ذلك في ظل تحقق الخطوات التالية : • أولا : تنبه الشعبين وتيقظهما لمحاولات «إيران» وغير إيران، للتشويش على علاقات البلدين.. وإثارة الفتنة بين الشعبين.. والعمل على عدم السماح باختراق صفوفهما واختلاق قضايا صغيرة أو كبيرة هدفها إثارة زوابع في صفوفهما تحت أي مسمى.. ولأي أسباب كانت.. • ثانيا : تضامن القوى السياسية وتعاونها مع السلطة القائمة ومؤسسات الشعب الدستورية، وفي مقدمتها «مجلس الشعب ومجلس الشورى»، وكافة الأحزاب.. والتيارات المختلفة.. للحفاظ على علاقات البلدين والشعبين بعيدا عن الحملات الانتخابية الراهنة وإغلاق جميع الأبواب والمسارب المؤدية إلى خلخلة هذه العلاقة التاريخية المتميزة.. وغير القابلة للتوظيف أو الزج بها في أتون المعارك الدائرة الآن داخل مصر.. • ثالثا : التزام الإعلام المصري بالحد الأعلى من الموضوعية وتجاوبهم مع دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، «وأمله في أن يقف الإعلام المصري والسعودي موقفا كريما.. وليقل خيرا أو ليصمت».. وفي ذلك ضمانة كافية لعدم السماح لأي خطاب إعلامي سلبي بعدم التسرب إلى وسائل الإعلام المختلفة بما فيها «الإعلام الإلكتروني».. • رابعا : قيام مؤسسات السلطة الحاكمة في مصر بدور فعال وسريع ومبادر لوأد أي مظاهر سالبة قد تؤدي إلى خلق ظروف جديدة تجر البلدين إلى الاختلاف مجددا.. وذلك في وقت مبكر.. والضرب بيد من حديد على أي مظهر من مظاهر العبث بمقدرات البلدين والشعبين، لا سيما وأن بعض القوى الخارجية لن تتردد في إحراج المجلس العسكري.. ومجلسي الشعب والشورى.. والنخب التي جاءت إلى الرياض.. وذلك باللجوء إلى تصرفات عبثية جديدة لن يقبل بها الشعب المصري الذي جاء ممثلوه إلى الرياض.. معبرين عن تقديرهم للملك شخصيا وللمملكة .. وبصورة أكثر تحديدا للشعب السعودي الذي استاء كثيرا مما تعرضت له سفارته وقنصلياته في المرة الأولى.. ومن باب أولى أن لا تقبل المملكة بذلك تحت أي مبرر كان. •• هذه العوامل مجتمعة وليست متفرقة، لا بد وأن توفر الحصانة لمستقبل العلاقات بين بلدينا وشعبينا.. لأن التجربة القاسية التي مضت كانت مؤلمة بالنسبة لنا.. كما كانت كذلك بالنسبة لكل الإخوة المصريين الشرفاء كما وصفهم خادم الحرمين الشريفين ، بدليل هذا العدد الكبير من النخب الدينية والسياسية والإعلامية والثقافية والرياضية والفنية التي جاءت إلى الرياض، ولمست فينا ولدينا كل المحبة وكل الحرص.. وكل التفهم.. وإن وجدت عندنا أيضا رغبة حقيقية في أن نلمس ترجمة مشاعرهم التي عبروا عنها إلى عمل وطني حقيقي وقوي ومتماسك يقف أمام كل شكل من أشكال العبث التي نشهدها على الأرض هناك.. وطالت الحياة المصرية وساهمت في استمرار عدم الاستقرار.. وأعطت صورة غير صحية عن ثورة 25 يناير.. وأظهرتها وكأنها جاءت لتكرس مبدأ تصفية الحسابات وليس لصنع مستقبل أفضل في بلد يستحق المزيد من التقدم والرخاء والحرية والعدل والنماء.. •• هذه الصورة «الداكنة» تحتاج إلى حكمة المصريين أنفسهم، وإلى تضافر جهودهم.. للحيلولة دون استمرار المظاهر المشوشة عليها.. ليس فقط من أجل ضمان تعافي العلاقات السعودية المصرية الكامل وإنما من أجل تعافي مصر كلها.. وتهيئة الأرضية الملائمة لدخولها مرحلة ما بعد إتمام الانتخابات الرئاسية بنجاح.. لأنه لا الوضع الأمني.. ولا الوضع الاقتصادي.. ولا الوضع السياسي يحتمل المزيد من التوتر.. وإلا فإن مستقبل البلاد سيكون معرضا للخطر باستمرار.. وهو ما تسعى بعض الأطراف إلى إيصال البلاد إليه.. وهي أطراف خارجية معروفة.. وتساعدها مع كل أسف بعض الأذرع المحلية تحقيقا لمصالح حزبية.. أو آيدلوجية.. أو نفعية أخرى. •• ونحن كأشقاء لمصر.. وكشركاء لها في مصير واحد.. نشعر بقلق شديد ليس على علاقاتنا المتميزة معهم فحسب وإنما على مستقبل مصر نفسها إذا لم يتمكن الجميع من تجاوز الأسابيع القليلة القادمة بنجاح وبمسؤولية.. وإن كنا واثقين كل الثقة بأن عقلاء مصر.. وساسة مصر.. وقادة مصر العسكريين لن يسمحوا بأن تنزلق البلاد إلى هذا المستوى المتردي.. وتدخل في المجهول لا سمح الله.. •• وقد تشير القراءة العجلى للأسابيع القادمة إلى أن البلاد تقف أمام خيارين حاسمين هما.. إما السيطرة على الوضع الأمني.. وتعاون كافة الأحزاب والطوائف والقوى السياسية والحزبية والفكرية في البلاد وتضامنهم لتمكين البلاد من عبور هذا النفق المظلم بنجاح.. والتوافق على رئيس يمتلك المصداقية.. والكفاءة.. وسعة الرؤية.. والبعد عن المغامرة.. وحب الذات.. والاستعراض.. وزج بلاده والمنطقة في أتون حروب جديدة تبدأ بتحضير الداخل المصري.. لتحالفات داخلية في اتجاه استيعاب قوى إقليمية وخارجية على حساب مصالح الأمة.. ومصيرها المشترك.. وإما التدخل القسري والحتمي.. لإدارة شؤون البلاد بإحكام.. وعدم السماح باستمرار الصراعات الداخلية بين القوى السياسية المختلفة.. وحسم الموقف لصالح استمرار سلطة الدولة.. والحيلولة دون سقوطها في أيد غير مؤهلة للحكم في المرحلة القادمة، بصرف النظر عن «شرعية» صندوق الانتخابات.. باعتبار شرعية إرادة الدولة ومصالح الشعب تقتضي التدخل في الوقت المناسب لإيقاف تدهور الحالة العامة.. وتهديد المصلحة العليا للدولة وتعريض الشعب المصري لكارثة كبيرة.. لا قدر الله.. •• هذان الخياران يخيمان الآن على السماء المصرية.. وإن كانت إرادة الشعب المصري التي رأيناها في الرياض ولمسناها عند الجميع تؤكد أن مصر أكبر من الجميع.. وفوق الجميع.. وأن هذه الإرادة لن تسمح بإيصال البلاد إلى هذه الحالة اليائسة. •• وعلى مستوى العلاقات الثنائية فإن هذه النخب التي حضرت إلى الرياض خلال يومي الخميس والجمعة (12، 13/6/1433ه) الموافق ل (3، 4/5/2012م)، قد عادت إلى القاهرة وهي سعيدة كل السعادة.. ليس فقط بتوجيهات الملك عبدالله بعودة السفير.. وفتح السفارة والقنصليتين وبانسياب العلاقة بين البلدين والشعبين رغم أهمية ذلك.. وإنما بالموقف الواضح.. والمؤكد.. لوقوف المملكة وتحيزها الكامل إلى جانب سلامة مصر.. واستقرارها الأمني.. والسياسي.. والاقتصادي.. والاجتماعي.. دون الالتفات للصغائر.. ودون الاستجابة للاستفزازات.. لا سيما بعد أن أكد الشعب المصري، ممثلا في نخبه السياسية والإعلامية والثقافية والاجتماعية والدينية، أن «مصر فوق الجميع»، وأن أحدا منهم لن يسمح بخروج بلادهم عن «قاطرة الأمة العربية»، وأن جميع مصالح مصر.. متحققة من خلال استمرار العلاقات المصرية والاستراتيجية المفصلية بين البلدين.. باعتبار أن المملكة ومصر، كما قال رئيس مجلس الشعب المصري الدكتور محمد سعد الكتاتني، مؤهلتان لقيادة المنطقة.. وبما لا يسمح لأي طرف بأن يضطلع بهذا الدور القيادي نيابة عنهما.. وبما يغلق جميع الأبواب أمام أي تسرب لأي قوة خارجية إلى منطقتنا العربية تحت أي شعار وفي ظل أي تدخلات مرفوضة، وبما في ذلك.. تنظيف مجتمعنا.. ووسائل إعلامنا.. وعقولنا.. ومؤسساتنا من طابور خامس.. حان الوقت لدمجه في مصلحة وطنه وأمته ومستقبل بلاده.. •• والمملكة العربية السعودية التي كانت باستمرار مع مصر.. وشعب مصر.. ومستقبل مصر.. لن تتردد في أن تدعم كل توجه يخدم مصر وشعب مصر.. ويمكنهم من المحافظة على دور مصر القيادي.. وهو الدور الذي تعرض للاهتزاز في ظل حسابات خاسرة.. حان الوقت لمراجعتها.. وتضافر الجهود جميعا من أجل تصحيحها بصورة فورية. •• وكما قال رئيس مجلس الشورى المصري الدكتور أحمد فهمي، في خطابه أمام الملك عبدالله يوم الجمعة.. «إن عمق العلاقات بين البلدين تنبني على دعائم الإسلام الحنيف وتقوم برباط الله عز وجل».. فإن البلدين ليسا بحاجة إلى قوة ثالثة تحكم سلوكهما.. أو تقدم للمنطقة حلولا من خارجها.. أو تقودها إلى الخير الذي نحن حريصون عليه أكثر من أي طرف آخر. •• والدولة المصرية منذ قدم التاريخ وحتى اليوم.. ظلت ترفض جميع التدخلات الأجنبية في شؤون البلد.. ومن باب أولى أن ترفض أي شكل من أشكال التحالفات على حساب مصلحة مصر الوطنية ومصالحها المصيرية مع أمتها العربية.. وتحديدا مع الدولة الشريك لها في حمل الأمانة.. والدفاع عن مصير الأمة.. المملكة العربية السعودية.. •• ومن هذا المنطلق.. فإن البلدين يتحملان معا مسؤولية التصدي لقضايا جوهرية كبيرة.. وعظيمة.. وذات أثر محوري في تأمين مستقبل هذه الأمة.. يتجاوز حدود القضايا الفرعية.. والطارئة.. التي أريد لها أن تشغلنا عن قضايانا المصيرية الكبرى.. بكل ما أسفرت عنه من تداعيات مؤلمة لنا.. ومؤسفة لأشقائنا.. فتلك مسائل لا تستحق التوقف عندها.. والتركيز عليها.. وإنما الذي يستوجب التركيز عليه.. والتدقيق فيه.. هو معرفة الأسباب والظروف.. والروابط.. بين تلك الأحداث وبين مخطط يعكر الصفاء السعودي المصري.. وإثارة حملات التشكيك في مصداقية الالتزامات السعودية تجاه مصر العربية.. وهي الحملات التي رد عليها الدكتور الكتاتني بقوله، «إن مواقف المملكة العربية السعودية المعروفة في دعم مصر والوقوف إلى جانب الشعب قديمة ومعروفة، كما حدث في حرب أكتوبر 1973م.. وأدى ذلك إلى النصر.. وكذلك في دعمها الكبير لمصر بعد ثورة 25 يناير 2011م».. وهو الحديث الذي رد فيه بقوة على أعداء البلدين والشعبين.. وجاء تجاوب الملك عبدالله سريعا مع هذه المواقف الواضحة وغير المواربة.. تجاه المملكة.. قيادة وشعبا وحكومة.. وقبل هذا وذاك.. «مقدسات».. •• لكن الحاجة تظل ملحة الآن ليس فقط للقفز على كل ما تسبب في الأزمة العابرة، وذلك مهم في حد ذاته وإنما من أجل العمل على تمكين مصر من تفادي استمرار توابع الثورة التي تعيشها.. ليس على أشقاء مصر.. وجيرانها فقط وإنما على مصر نفسها وشعب مصر.. ومستقبل مصر.. لأن هذا الشعب يستحق أن يعيش في دولة مستقرة.. وآمنة.. وقوية.. ومتصالحة مع نفسها ومتوافقة مع محيطها العربي.. وغير مخترقة أيضا.. •• ولكي يحدث كل هذا.. فإن علينا جميعا.. مصريين وسعوديين.. أن نقف بقوة أمام «جوقة التضليل» التي أشعلت النيران في كل اتجاه.. لأنها لن تستسلم أو تتوقف بسهولة ودون ردع عن العمل من أجل التصعيد، لا سيما بعد أن أغلق البلدان الباب أمام محاولة التعكير لعلاقاتهما المتميزة.. وإسقاط المؤامرة عليهما.. وفضحا مصادرها.. بهذا الالتفاف الشعبي والرسمي حول بعضهما البعض.. وهو الالتفاف الذي فوت على إيران.. وعملاء إيران.. وأصدقاء إيران.. وأصابع إيران الفرصة لإشعال الفتنة بين أكبر بلدين عربيين.. وبين أقرب شعبين إلى بعضهما البعض، تجمعهما أكثر من آصرة.. وتربط بينهما روابط عائلية.. وأخلاقية.. وقبل هذا وذاك رابطة الاستشعار لاستهدافهما كقوتين عظميين، يتوقف على تكاتفهما مستقبل الأمة العربية وبالذات بعد لقاء الرياض، الذي جسد مدى وحدة الشعب المصري.. وإصراره على أن يحمي مستقبله من أي عبث.. وحمايته من كل شكل من أشكال التهديد.. وهو ما دفع المملكة قيادة وشعبا بأن تؤكد وقوفها مجددا إلى جانبهم في كل الظروف.. وبكل أشكال الدعم الذي تتطلبه المرحلة الدقيقة التي تمر بها مصر.. وهي مرحلة نثق بإذن الله تعالى أنها ستتجاوزها بكل نجاح.. لتبدأ مرحلة جديدة من الاستقرار الشامل.. والكامل والمستحق.