الملك عبدالله: بيّضت وجوهنا، بيّض الله وجهك. وجمّلتنا، جمّلك الله. ورفعت شأننا في العالم، رفع الله شأنك يوم القيامة. منحتنا الفخر بانتمائنا لهذا الوطن. وأضفيت علينا المهابة أنّى اتجهنا. وصيرت بلادك زعيمة وردءاً وملاذاً للعرب. ودحضت الأقاويل عن السعودية أنها مملكة رجعية -على حد زعمهم-، وهندستها دولة عصرية محطاً للأنظار، وتتسم بالتقدم والدهاء والكاريزما، وتحتل لها مكاناً تحت الشمس. واقتحمت إعدادات الضبط، فبرمجت منبّهات الساسة على التوقيت السعودي. بددت أوهاماً جثمت علينا حيناً من الدهر. وأخبرت العالم أن الجمال، والعظمة، والحكم القويم، لا تقبع فقط في كتب التاريخ، وإنما هي بين ظهرانينا، طالما بقينا عباداً للقدير. واسترجعت مغانم الشرف الذي احتكره مجازا غزاة الثورات والمعارضات ودعاوى الإصلاح، وأعربت أنه بمقدور الخير والرشد والصلاح أن تقطن القصور الملكية. ملأت علينا الدنيا. وأهديتنا الطمأنينة. وأشعرتنا بالثقة في الحياة. علمتنا الشجاعة، والأمانة، والشهامة، وبعد النظر، وكرامة النفس، والوفاء للأصدقاء. وقفت مع أصدقائك في أشد الظروف اكفهراراً. وما أدرت لهم ظهرك قط. وتحديت لأجلهم الآخرين. أنبأت العالم برمته أننا لا نخاف. وجابهت الغرب بشموخ الأكابر. وجاء على ذروة الأجندة لزعيم أقوى دولة في العالم، أن اصطف قبالتك، فانحنى إجلالاً لمقامك الكريم. وبنباهتك، فطنت لما يحاك للمنطقة من دسائس، فتصديت للزعزعة بكل بسالة، ودحرت الفتن بأبخس الخسائر، وأخمدت الحرائق يمنةً ويسرةً. واءمت بين الفرقاء، ووضبت شتات البيوت، وعلى عاتقك اتكأ المترنحون إلى أن استقاموا واشتد عودهم، وآزرت الاستقرار والتنمية في الأصقاع. فكنت أنت بحق الربيع العربي. وبعد أن خلنا موضع العرب بانزواء دواليك، وأن الدونية قسرا طابعنا، وأن مناطحة العالم الأول فناء، جئتنا أنت بالخبر اليقين. قمعت التطرف، وأجهزت على الإرهاب، وكرست الأمن. وبينما تنهش الفتن الأمصار، ويسيل لالتهامنا لعاب الأفاعي، تسنمت دفة القيادة بحصافة ضليع، واجتزت عصيب الرياح العواتي، حتى أبلغت سفينتنا ساحل الأمان. وبحذق، عايرت بين الثوابت والمتغيرات، كأنما تقبض على رمانة الميزان بيدك، فانتهجت الإصلاح، وعانقت الانفتاح، مع توقير السمة المتحفظة للمجتمع، إلى أن أسعدت سائر الأطياف. ابتكرت مدرسة جديدة في السياسة، قوامها الصدق، والوضوح، والنزاهة، والحب، والتسامح، والنبل، وجميل القيم. ما تلونت، ولا داهنت، ولا تناقضت، ولا خنت القيم خاصتك، ولا قلبت ظهر المجن، ولا تعاملت من تحت الطاولة. وبحق، كنت أيقونة فريدة في الحكمة. وعلى يديك، أرغمت مدارس السياسة أن تغادر الصندوق، وتهرش أصداغها متدبرة في مشهد العيش دونما إيغال في تلك الديموقراطية المعهودة، مع التنعم بالحكم الرشيد. الملك عبدالله: ملأت علينا الدنيا. وأهديتنا الطمأنينة. وأشعرتنا بالثقة في الحياة. علمتنا الشجاعة، والأمانة، والشهامة، وبعد النظر، وكرامة النفس، والوفاء للأصدقاء الملك سلمان: أنت الآن تقطف ثمرة وفائك المشهود لإخوتك، ومنافحتك الدؤوب عن بلادك، وسعيك الباهر للخيرات، وعزيمتك التي لم تفتر، وكدحك المخلص في واجباتك طيلة مايربو على ستين سنة. أدهشتنا بالمبادرات، وأذهلتنا بالمفاجآت. ومحوت الأصفر من خريطة البلاد، فزركشت أرجاءها قاطبة بألوان الازدهار. ورغم اعتلائك سدة الحكم، وما أطبق عهدك عشراً من السنين، بيد أنك اختصرت الزمن، وأصبت معجزة في تاريخ الحضارات وأعمار الدول. أدخلت السعودية في منظمة التجارة العالمية ومجموعة العشرين للاقتصادات الأقوى في العالم، وبلّغتها المرتبة الثالثة والثلاثين من بين دول العالم في التنمية البشرية، والمنزلة التاسعة عشرة في اقتصادات الكون، وضاعفت كلا من الناتج المحلي لبلدك ومتوسط الدخل لمواطنيك، إبان سنياتك المعدودة. وياليت شعري أي إنجازات عظمى كنت ستحرز، لو باكراً أشرقت شمسك، أو أنك لبثت أمداً طويلاً. لقد تركت تنميق البيان لفصحاء الشعارات، وباعة أوهام المشاريع الكبرى، وبرهنت أن القائد العظيم هو من يكتب التاريخ، لا من يزمجر عنه، ويصلح الحاضر بينما يصنع المستقبل، ويؤتي زرعه المبارك الأكل، على نحو جليّ، عقِب رحيله، يوم أن يأزف الحصاد. وآل الأمر أن اتخذوك حكيماً للعرب، ووالداً وكبيراً لهم، وأشد الشخصيات تأثيراً. أحدثت فارقاً، وجعلت العالم مكاناً أفضل، جراء مرورك فيه. أنفقت حياتك محارباً شجاعاً، وغادرت الدنيا مغادرة الفرسان المنتصرين. وساعة أن واروك الثرى، لم تكن بمفردك، وإنما في معيتك، كنت تصطحب ضميرك المصون. وفي صحيفة أعمالك عند الله يوم الخلود، ستأتي براقةً كلُ هذه الأرقام التي تنبئ عن عصرك الميمون، والإحصاءات والرسوم البيانية لإنجازاتك المذهلة، وحكاية هذه الرحلة شديدة النصوع. ولئن كان عليك من مأخذ وحيد، فهو هذا الفراغ الذي أوقعته في أفئدتنا، والحسرة التي خلّفتها فينا، إثر فراقك المرير. الملك سلمان: أنت الآن تقطف ثمرة وفائك المشهود لإخوتك، ومنافحتك الدؤوب عن بلادك، وسعيك الباهر للخيرات، وعزيمتك التي لم تفتر، وكدحك المخلص في واجباتك طيلة مايربو على ستين سنة. أمضيت حياتك مثابراً، ومنضبطاً، وجاداً بلا كلل. كافحت على كافة الأصعدة، حتى أقنعت الكافة أنك ما أنت سوى ضرورة. وهاهي ذي قوانين الله تسري فتكافئك، وتؤول العاقبة إليك. جدَدْت فوجدت. وزرعت فحصدت. فتستحق أيها الربيع السعودي الجديد. ورغم جمال الماضي، بيد أننا الآن وها هنا. نعيش لذة اللحظة التي أنت. ونحتفل بوجودك الجميل. وحيث إنك لحظتنا، فأنت كل ما لدينا. وفي هذه الأثناء، لا يخطر لي أحلى من مقولتك غداة اليوم الوطني الفائت: "سنهزم رهانات الآخرين". هكذا لطالما كنا. وكذلكم دوماً سنبقى. على السمع والطاعة أبايعك، وأبايع سمو الأمير مقرن، وأبايع سمو الأمير محمد. ربي يوفقكم ويحفظكم.