لم يكن أمام العالم أجمع مساء ليلة الجمعة الماضية إلا الرضا بقضاء الله حين تأكدوا أن حكيم الأمة، وفارس العروبة وملك القلوب قائد مسيرة النهضة خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية، غادر دار الفناء إلى دار البقاء. خيم الحزن على الجميع صغاراً وكباراً رجالاً ونساءً مواطنين ومقيمين، فأصبح رهين كل قلب وقرين كل صدر. حقاً إن الفاجعة أليمة والمصيبة عظيمة.. ولكنه قضاء الله الذي لا يقابل إلا بالتسليم وقدره الذي ليس له عدة سوى الصبر الجميل.. تعجز الكلمات وينعقد اللسان لوصف مآثر هذه الشخصية، وإنه لعزيز على القلم أن يتقطر سواده حزناً على فقيدنا الغالي،، وبقدر ما يعجز اللسان فإن الفكر أيضاً يظل عاجزاً عن جمع جوانب هذه الشخصية العظيمة. إن الحديث عن فقيدنا حديث تمتزج فيه مشاعر الإعجاب بعبق الفخر والاعتزاز.. لقد كان الفقيد - يرحمه الله - أحد أبرز عظماء العالم وأكثرهم حكمة وشجاعة وحزماً، فهو بحق رجل المبادرات والمصالحات.. رجل القرارات الشجاعة رفع راية الإسلام برسالته السمحة عالية خفاقة في أصقاع العالم بما يخدم قضايا الأمتين العربية والإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية مشدداً على الثوابت، مع المواءمة لما تتطلبه مستجدات الحياة ومقتضيات عصر التقنية والتكنلوجيا، فكان له تحقيق إنجازات عملاقة داخلياً وخارجياً اختصر معها سنوات الزمن في كل مجال من مجالات الحياة ؛ لينعم شعبه وبلاده والشعوب العربية والإسلامية بل والإنسانية جمعاء. لقد كان -يرحمه الله - دائب التفكير والعمل يؤمن بالتجدد والإبداع لأنه يعشق الحياة ولا يقف في طريقه أمر عصي عن التغيير، فكان له ما أراد رغم عبء التضحيات والآلام لكنه كسب التحدي، وأثبت أنه بإمكان الإنسان المخلص القدرة على الانتصار.. فلقد كان - يرحمه الله - يعمل باستمرار على توجيه المسؤولين في كافة مواقعهم ومتابعة سير العمل للوقوف على مدى الإنجازات وتذليل العقبات. كان الفقيد - يرحمه الله - رغم أعبائه ومسئولياته نموذجاً في المروءة والكرم والتواضع، والشهامة، ودماثة الخلق،، وفي صبره الجميل أثناء مرضه كما كان قدوة حسنة في مساره العملي وعلاقاته الاجتماعية،.. يبادل شعبه ألوان المحبة والوفاء.. فأصبحنا نبادله هذا الشعور الأبوي حباً بحب ووفاءً بوفاء؛ ولا غرو في ذلك فلقد جُبلت قلوبنا على حب ملك المكارم، وغيث المراحم، ونادرة الوجود كرماً وفضلاً، مع حب الوطن الأبدي فأصبح رباطاً من الولاء والحب الخالد الذي يضرب به الأمثال. رحمك الله.. يا أبا متعب.. من مثلك يُعطي العهود، ويرعى الحدود، ويأسو الجراح.. من مثلك جميل الفعال، كريم الشيم، عصي الإباء، بعيد الهمم. إذا افتخرت الأمم بالأفذاذ من رجالها حق لنا أن نفخر بك، وبحكمتك وشجاعتك في الحفاظ على المصالح الوطنية والدفاع عن القضايا الوطنية والعربية والإسلامية، وقراراتك الجريئة في مكافحة الإرهاب ومكافحة الفساد، وإرساء مبادئ حقوق الإنسان. إنك بحق رجل الحوار الأول بامتياز كبير، جعلت بلادنا قبلة للشخصيات العالمية من قادة السياسة وأقطاب الفكر والإبداع.. تفتخر بك الإنسانية جمعاء، بأعمالك الخيرة التي سطعت آثارها في شتى أصقاع المعمورة، فكنت في كل مكان خير رمز لبلادنا وأحسن عنواناً لها.. وداعاً فقيدنا الغالي.. وسوف تظل ذكراك العطرة محفورة في الأذهان على مر العصور والدهور بمآثرك وأعمالك وتضحياتك الجليلة.. ندعو الله مع كل نبضة من نبضات قلوبنا أن يسبل عليك شآبيب رحمته وواسع مغفرته وأن يتقبلك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.. وعزاؤنا ودعاؤنا لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز رجل السياسة والإدارة والتاريخ، أن يمده الله بعونه وتوفيقه وأن يكون خير خلف لخير سلف، والعزاء موصول إلى سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير مقرن بن عبد العزيز، وإلى سمو ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، وإلى جميع أبناء الفقيد والأسرة الكريمة والشعب السعودي الكريم والعالمين العربي والإسلامي {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} وبعد: كم أنت رائع وجميل؛ أيها الوطن العزيز.. إنك درة الأوطان، دار الآباء والأجداد، فيكِ مدارج صبانا وبكِ نبتت أحلامنا، فلتنعم بحاضرك الأغر، الحكّام والشعب لحمة واحدة، يتعاونون على البر والتقوى؛ يسيرون أمورهم بكل حكمة وسلاسة وعدلٍ وأناة، يتجاوزون كل عواصف الزمن، يتعايشون بهدوء.. يرتبطون برباط الأخوة والوطنية.. وما ذلك الموقف المشهود في الاختيار وتوافد المواطنين للبيعة والولاء، إلا شاهداً على أنك أيها الوطن العزيز تلد الرجال العظماء.. وأجدها فرصة أن أرفع أسمى آيات التبريكات إلى سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير مقرن بن عبد العزيز رجل السياسة والإدارة وتقنية المعلومات وإلى ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف مهندس الإدارة والأمن، وإلى وزير الدفاع المستشار الخاص رئيس الديوان الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز رجل الإدارة والنظام، مباركين لهم الثقة الغالية من لدن خادم الحرمين الشريفين والشعب السعودي، فهنيئاً لنا هذا الاختيار الذي صادف أهله تماماً ويعد مصدر فخر واعتزاز لكل مواطن، فلهم منا البيعة ولهم منا الولاء، داعين الله جلت قدرته ان يكلل جهودهم بالتوفيق والسداد،، {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.