نجحت إيران في أن تدس أنفها في الشأن العربي إلى أبعد مدى تستطيعه، بعد أن استثمرتْ في قضية فلسطين إعلامياً حتى الثمالة، واستخدمتها كقميص عثمان للعبور إلى جسد النظام العربي وتمزيقه والعبث به، من خلال أزلامها والمنتفعين من أموالها "النظيفة" حسب تعبير الملا حسن نصر الله. والقيادات الإيرانية تقف اليوم على سفوح الجولان في سورية، وأمام بوابة فاطمة في لبنان، لكنهم لا يؤذون إسرائيل حتى ولو برمية حجر، رغم كل الضجيج المدوي من طهران، والذي يوحي بأن فيلق القدس لن تُشرق عليه شمس اليوم التالي إلا وهو هناك، وإذا ما سلمنا جدلاً بأن العراق وسورية جغرافيا يُمكن قبول الوجود الإيراني فيهما كممر للأراضي المحتلة، فكيف نفسر انشغال إيران في البحرين وفي اليمن والسودان، وغيرها من المواقع التي لا تزال تعمل طهران على الذهاب إليها بكل السبل؟ هنا ينتزع لباس الغايات المبيتة، والذي أفصح عنه صادق الحسيني لقناة الميادين قبل أيام قليلة، عندما توج عبدالملك الحوثي زعيماً فرداً للجزيرة العربية، طبعاً إلى جانب زعامة السيد حسن في شرق المتوسط، والذي فرّخ حزبه الإلهي فرعاً جديداً له في شام بني أمية، وبتسليم مطلق من الرئيس العروبي جداً الدكتور بشار الأسد، الذي سمح بأن تتحوّل ساحة الأمويين في دمشق إلى ساحة للصفويين الذين أصبحوا هم سادة البلاد، وأصحاب القرار فيها. حكومة نتنياهو وليبرمان العدو اللدود للإيرانيين وفق أساطير ألف ليلة وليلة، وما إن نفذتْ عمليتها في القنيطرة والتي استهدفت عدداً من قيادات حزب الله، سرعان ما قدمتْ اعتذارها لإيران عن مقتل الجنرال من الحرس الثوري الإيراني محمد علي الله دادي ضمن تلك العملية إلى جانب محمد عيسى ونجل عماد مغنية وغيرهم متذرعة بأنها لم تكن على علم بوجوده في هذا الموقع المتقدم في الجبهة على طريقة (آسفين.. ما درينا)، وهذا الاعتذار يؤكد حقيقتين أنه لا توجد أي عداوة بين النظامين في طهران وتل أبيب مما يستلزم الاعتذار عن الاستهداف غير المقصود.. هذا أولاً، ثم ان المخابرات الصهيونية لا تضع في حساباتها من الأساس احتمالية تواجد قائد عسكري إيراني في هذا الموقع المتقدم من الجبهة الباردة برودة ثلوج جبل الشيخ، لأنها تؤمن ببساطة أنه لا يوجد لا عمل ولا حتى نوايا لإيران تجاه إسرائيل يستدعي حضور هذا القائد العسكري الكبير إلى ذلك المكان، وفات عليها أن الجنرال دادي جاء لمهمة تتعلق بمحاربة جبهة النصرة وثوار الجيش الحر في هذه المنطقة، أي خطأ تقديري فقط. وحتى يتم دفن هذه الفضيحة المدوية، يبدو أنه تمّ الاتفاق بين الطرفين على أن يقوم حزب الله بعملية صغيرة ومحدودة في مزارع شبعا كرد على اغتيال الجنرال دادي ورفاقه، على أن تلتزم إسرائيل ضبط النفس، وإلا فماذا يعني هذا الصمت الإسرائيلي المريب تجاه عملية الحزب وتمرير الأمر كما لو أنهم تلقوا ضربة مزاح بكرة من الثلج المتراكم على هذه الجبهة الباردة؟، وهي التي تتحين الفرص، وتختلق الذرائع، ثم لماذا لم يكن الرد من الجولان نفسه وجحافل إيران تسرح وتمرح في الأراضي السورية، وتدير معارك النظام؟. الحسيني قال للميادين الناطقة باسم الحزب أيضاً: إن إيران باتت اليوم تحكم أربع عواصم عربية بغدادودمشق وبيروت وصنعاء، وهنا قد يتعين على الدكتور نبيل العربي أمين عام جامعة الدول العربية اختراع وكالة خاصة تهتم بشؤون (الدول العربية الفارسية)، إلى أن يستجيب المستحيل وتدرك هذه الأمة المثقلة بقشور أوزارها عن لب الأوزار حجم ذلك العناق الحميمي بين تل أبيب وطهران، والتي ليستْ هذه الفضيحة لا أول ولا آخر طلائعه، والذي قسّم العواصم الخمس بين الاحتلالين، القدس بيد الصهاينة والعواصم الأربع بيد الصفويين.