تطالعنا وسائل الإعلام بشكل مستمر بأخبار أولئك الذين تشرفوا بثقة ولاة الأمر وحازوا على الترشيح للمناصب المتميزة في الدولة، أو تسنموا رئاسة شركات ومصانع ومؤسسات في القطاع الخاص! وإضافة إلى ما تحمله تلك المهمات من تشريف ومنح ثقة ولاة الأمر ومكانة اجتماعية ومنصب.. إلا أنها في حقيقتها تكليف أكثر مما هي تشريف!! تكليف لمن وعى ثقل الأمانة وعظم المسؤولية. تكليف لمن أدرك أنه مسؤول أمام الله تعالى ثم أمام من ولاّه المهمة وأمام البشر الذين تتعلق بهم تلك الواجبات والمسؤوليات والخدمات. ومسؤول أمام نفسه هل حقاً أبرأ ذمته ورضي هو عن مستوى أدائه قبل أن يطمح أن يرضى عنه الآخرون؟؟!! تكليف أمام من أيقن أن المنصب مهما عظم فلا يدوم إلا وجه الله سبحانه وتعالى فمن أحبه لشيء تركه لفقده، ومن أكرمه لمنصب ستذهب كرامته بذهاب المنصب، ومن خدمه لشيء تجرد من الخدمات بفقد هذا الشيء! وأن هذا المنصب لو كان دائماً لأحد لما وصل إليك الآن! فكما وصلك اليوم فثمة من يترقب محطته القادمة ليصله أيضاً، وتلك الأيام نداولها بين الناس. إن المسؤولية الكاملة تتحقق حتى في المناصب التي لا يؤدَّى فيها القسم؛ بل في الحياة كلها حتى ربة المنزل في بيتها وتربيتها لأبنائها وحفاظها على نفسها وبيتها بما فيه ومن فيه والعامل في ماله أو مال سيده.. فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته إذ يجب العمل فيها بكل أمانة وصدق وإخلاص وجوباً عينياً، إلا أن أداء القسم في المناصب الحساسة يزيد من عظم الموقف(وإنه لقسم لو تعلمون عظيم). إن المتأمل في ألفاظ القسم وهو يسمع: أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لديني ثم لمليكي وبلادي وأن لا أبوح بسر من أسرار الدولة وأن أحافظ على مصالحها وأنظمتها وأن أؤدي أعمالي بالصدق والأمانة والإخلاص. لتقشعر منه الجوارح ويتحرك القلب؛ فما بالك بمن يؤديه وينطقه ويتعهد الالتزام به؟ فمرتكزات القسم الرئيسة: الإخلاص، الأمانة والصدق. غاية في شمول الأداء والنصح والإتقان والجودة، والمحافظة عليها تعني الوفاء بمقتضياتها، والترفع عن مالا يتماشى معها، وتقديم المصلحة العامة على المصالح الشخصية، وأن يكون للإنسان من نفسه بصيرة يقظة حية وضمير يستشعر دائماً وأبداً اطلاع الله عليه فيما يقول ويفعل وتحثه على السير فيما فيه رضا الله سبحانه وإبراء الذمة أمام الله تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. مسؤولية عظيمة، ومهمة جدُّ جسيمة. أسأل الله أن يوفق كل من ولي من أمور المسلمين شيئاً لصالح القول والعمل ويبارك له في وقته وعمره وصحته وماله وذريته وأن يعينه على خدمة الإسلام وما فيه نفع البلاد والعباد. ويجعله الآن خير خلف وفيما بعد خير سلف. إنه ولي ذلك والقادر عليه، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه.