عبدالله بن عبدالعزيز إنسان غير عادي، رحيله غير عادي، فقده غير عادي.. مصابنا فيه جلل! نزلت من سماء تلك الليلة وفود من الملائكة، تربت على الأكتاف وتربط بفتلة عزاء على قلب، من قلوب أمة، وشعب، وعائلة، مثقلة بحزن لم تجتمع عليه كما اجتمعت على موته، واجتمعت على محبته. عبدالله حجر أساس عبدالله قبلة على رأس الوطن عبدالله صلاة شكر عبدالله.. خلعت أرملتك المملكة حليّها، وأزالت زينتها، وتسربلت سواداً، وتوشحت بوشاح الحزن الحالك على فقدك، واحتار ناسك أيبكونك أباً أم يبكونك ملكاً!. عبدالله.. ما الذي بينك وبين الله، حتى تبكيك زهر الخزامى، وتدمع غيوم تهامة، ويتمتم الشجر والنخيل بحسرة: يا ويلي عبدالله رحل..؟! ما الذي بينك وبين الله حتى يكون لك خيط من حرير وذهب نسجت به محبة، ووفاء شعب..؟! ما الذي بينك وبين الله حتى ينتصب السيف جزعاً، وتسكن العرضة وحشة، ويبهت على حزنك زري البشوت، وتذوب الأردان حسرة..؟! كيف للحداد أن يحتمل أن يعلن نفسه عليك؟! كان آخر توق في نفسك نزهة إلى روضة من رياض الدنيا، غادرتها مكسورة على عجل، وعزاؤها عودتك إليها، أما الآن وكأن رياح شرق شمالية تُسمِعُني تراتيل حزن مهيب، تنعى روضة خريم رحيلك، وينحني زهر النفل، وينقبض الارطى، ويتمنى السدر غسلك، ويسكن الخبيز عبرة، فما عزاؤهم الآن سوى أن يعوضك الله عنهم بجنة وروضة وريحان ورضا ورحمة ونور. كان أول همك الاسلام جعلك الله من شهدائه، وكان انتصارك للمرأة تقبل الله دعواتها لك. جمعت كفك بذور الاصلاح فلم تتوان عن بذرها، آمنت بالعلم فلا يمت لك عمل ولا ينقطع، بعلم ينتفع به اولاد يدعون لك. لم ترحل يا عبدالله بن عبدالعزيز.. وهل نطيق وداعك أيها الرجل..!