صباح يوم الاثنين 22/4/1434ه بدا الإحساس منقبضاً، لكأنما الهدوء الذي ينذر بالعاصفة، أو التوجس الذي يتصدر الشعور القاتم بالأشياء.. ولصدق مشاعري ما أن بدأت شمس ذلك اليوم تغمر الكون حتى رن هاتفي وما أن تمعنت في مصدره حتى تهيأت لأتلقى خبراً زعزع تماسكي لكأنما جذبني الى هاوية سحيقة، أو صدمني بما أفقدني وعيي، كان الناعي ينقل لي خبر رحيل الأخ والصديق الصادق والرفيق الغالي/ سالم بن محمد بن دوحان آل سالم، لا حول ولا قوة إلا بالله، لله ما أعطى ولله ما أخذ، هل بات هذا اليوم يخبئ لي الأحزان ، هل بات يقاسمني الأوجاع؟ سحبني هول الموقف الى رحيل فاجع آخر، ولكن رحيل سالم بن محمد بن دوحان ضاعف لدي الاحزان بل جدد فداحة فقد الأحباب والأصحاب ، ففقد الأحبة يحيلك الى استرجاع دفتر المواجع وذكريات الأسى وقسوة معايشة الفواجع باستحضار ذكرى الرائعين أصحاب المواقف والبصمات المؤثرة. *** وهكذا سلَّم سالم بن محمد بن دوحان مدير الحقوق العامة بإمارة منطقة نجران، الروح الفانية وهو على رأس العمل يؤدي واجبه بالحرص ذاته وبالبشاشة ذاتها التي عرفه بها الناس، رجل لا تلقاه الا هاشاً باشاً وهو يؤدي عمله بتفانٍ، سلوك نبيل التزم به للتخفيف عن مراجعيه كأنما هي رسالة توعية لمن يقبعون وراء المنصات لتصريف شؤون الناس وهم في مزاج رديء ليكلفوا بذلك مراجعيهم رهقا فوق رهقهم،لهذا فقد جسَّد رحيله المفاجئ حزناً عميقاً بين أبناء نجران وبين كل من عرفه في الوطن الكبير،لقد شاهدت كيف تجمع الناس للصلاة على جسده الطاهر وكيف صحب الناس جنازته الى مثواه الأخير - يرحمه الله - .. *** آه يا سالم يا آبا محمد .. لو كنت بيننا لرأيت كيف تدافع الناس فور سماعهم الخبر الأليم كيف توافد محبوك وعارفو فضلك يبكونك بدموع حرَّى غير مصدقين رحيلك الأليم،لقد امتلأ مكان العزاء بكثير من المعزين ولكل منهم قصة فضل وصلة مودة معك أيها الراحل الغالي، كان التجمع الكبير بمثابة استفتاء لمكانتك الرفيعة بينهم. وفي مجلس العزاء كان إخوانك وأبناؤك وأبناء قبيلتك يتلقون العزاء راضين بقضاء الله وقدره رغم إحساس الأسى والألم الذي لف موقع العزاء والوجوم البادي على وجوه أبناء نجران وغيرهم ممن تسارعوا لوداعك .. إنها الآجال يا أخي (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) .. *** إن عهدنا بالفقيد العزيز سالم بن محمد بن دوحان أنه كان يرحمه الله شديد الحرص على مواصلة الناس والسؤال عن أحوالهم ،كحرصه على العناية الفائقة ببناء صلاته الاجتماعية، والتضامن والتماسك مع إخوته وحسن الرعاية لأبنائه، وهو بذلك أضفى معاني جديدة على مفاهيم التربية والأخلاق، والتنشئة التي تعد إضافة حقيقية في توجيه النشء وبناء الأجيال،وعهدي بأبنائه محمد وفهد الكرام حفاظهم لتقاليد ومبادرات والدهم بإرساء قواعد السلوكيات التي عززها بينهم والمحبة التي زرعها بينهم متماسكين متحابين وعلى دربه سائرين، لا يفتك بقوتهم عادٍ أو دخيل، وعهدي بأخوته الأعزاء أن يرعوا سيرة أخيهم العطرة في أسرته وبين أصدقائه ومحبيه مواصلين تعزيز كل المبادرات الطيبة التي دأب على رعايتها الفقيد العزيز قريبين من أسرته تماماً وكأن الفقيد موجود بينهم. *** أخي الغالي الصديق الصادق الرفيق الغالي / سالم. سيفتقدك عارفوك ومحبوك وكل من عرف خصالك الطيبات وسجاياك النبيلة ،ستفتقدك نجران وهي التي أحبتك واحترمتك لأنك وضعتها في شغاف القلب وجوف الضمير، ستفتقدك أسرتك الكريمة وأنت تغدق عليها من فيض حبك وحنانك ورعايتك واهتمامك،وسأفتقدك أنا شخصيا يا أخي الغالي لما كنت تمثله لي من إخلاص ونظافة يد ولسان صدق وركن مكين، وسيشهد لك كل من عرفك وأنت تتقن التواصل معهم وتظهر احترامك لهم بمبادئك وأخلاقك وبشاشتك، جعل الله لك لسان صدق في الآخرين وأثابك بجنة عرضها كعرض السموات والأرض مع النبيين والصديقين بقدر ما أسديت من معروف، وما وصلت من رحم، وما زرعت من بسمة.. وأعاننا نحن على تحمل وجع رحيلك فقد كنت الظل في هجير مواسمنا، والواحة في صحراء أيامنا، وقطرة المطر التي تسقي الأرض القاحلة، ولا نقول لك أيها الفقيد العزيز الغالي إلا ما يرضي الله عز وجل (إنا لله وإنا إليه راجعون).. عبدالله بن صالح بن هران آل سالم