شاء الله تعالى أن يقيض لهذه الأمة رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ميزهم الله ببعد النظر وثاقب البصيرة، برز منهم في عصرنا الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله-؛ الذي صحب والده المؤسس في مسيرة التوحيد وتوطيد دعائم الدولة الحديثة، وواصل رسالته نحو دينه ووطنه ليكون نصيرا لاخوانه الذين سبقوه في قيادة الدولة وارساء نهضتها، ونبراساً لإخوانه وأبنائه الذين لحقوه واستقوا من حكمته وحنكته في سياسة الدولة وتسيير شؤونها، ولن أسهب في وصف انجازاته ومناقبه التي ازدانت بها صفحات الصحف، وباتت موضوعا لمجالس المنصفين من محبيه في الوطن العربي والعالم على مدار الأيام الماضية؛ ولكني فقط أشير الى ملامح خاصة لمستها في كل أعماله- يرحمه الله. تميز فكر الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- طوال سنين حياته بميل شديد نحو التنمية عموما، حتى إن المؤسسة العسكرية التي بناها وقادها بامتياز وحنكة على مدار أربعين عاماً ظلت مؤسسة تنمية شاملة؛ فقد اضطلع الحرس الوطني وهو مؤسسة عسكرية في الأصل بدور عظيم في بناء وتنمية المجتمع السعودي، وفي الوقت الذي غلب فيه طابع انشاء وبناء المؤسسات التعليمية والصحية والرياضية في بداية عهده بالمسؤولية، ذلك العهد الذي كان توطين البادية فيه مدخلا للتنمية الشاملة، وكانت تلك الخدمات هي المحفز الأول للاستقرار؛ غلب طابع الاصلاح السياسي والاقتصادي والفكري والثقافي وتنمية القدرات البشرية في المرحلة الأخيرة من حياته بعد أن توطدت أركان الدولة الحديثة. الملمح الثاني كان في إيمانه العميق بأهمية الحفاظ على المكتسبات التي حققها المواطن السعودي في مسيرة النهضة؛ بجعله شريكا في موضع المسؤولية عن تلك المكتسبات، فعمل على تطوير قدراته الشخصية للاضطلاع بمهامه الأساسية في بناء الوطن وتشغيل مؤسساته، وجد في سعيه الدؤوب للإصلاح الداخلي وتطهير الجهاز الحكومي من معوقاته، وقام باعادة تنظيم مؤسسات الدولة وتنويع مصادر الدخل الوطني، وسعى لتطوير مفهوم أمن الخليج ووحدته الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، وتطوير مفهوم التضامن العربي لمواجهة التحديات العصرية المتعددة، وتعديل التحالفات الدولية بما يضمن للمملكة أمنها واستقرارها. الملح الثالث كان تأثره الشديد بالانسان وحاجاته في كافة بقاع الأرض، حتى حظي من عامة الناس بلقب ملك الانسانية، فكان يطوف على الأحياء الفقيرة ويلاطف أبناءها ويستمع بإنصات الى شكاواهم، وانسابت دموعه ألما لبكاء ابنة أحد شهداء الواجب، وانسابت دموعه ثانية لدموع طفلة فقدت أسرتها في غزة، فسطر بتلك الدموع ملحمة حب وتعاطف مع الانسان في كافة أرجاء العالم. رأيتك في الذين أرى ملوكا كأنك مستقيم في محال فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال لقد شاء الله عز وجل أن ينتقل الانسان عبدالله بن عبدالعزيز الى رحمته بعد مسيرة حافلة بالخير والنماء، مذعنا لأمر ربه تعالى: كل نفس ذائقة الموت.