.. لاأعرف أي مدخل من الممكن تبدأ فيه هذه المقالة النقدية. أهو تيار الرومانسية في الشعر السعودي، عصر الستينات، في نماذج: حمزة شحاتة، محمد حسن فقي وطاهر زمخشري؟. أو هو تيار الشعراء العرب باللغات الاجنبية كالفرنسية والإنجليزية؟. ..إن عنوان المجموعة الشعرية: « الصخرة وقصائد أخرى» لعزت خطاب، ملفت حقاً، ويثير عندي تساؤلات نقدية تتخذ من البعد الميثولوجي والأدبي طريقاً لما سأكتب، وما يتوقفني هو: ماذا يعني أن يصدر هذا الأكاديمي والمترجم شعرا؟. .. نعرف أن عزت خطاب، مواليد المدينةالمنورة 1934، دكتوراه في الشعر الإنجليزي، جامعة نيومكسيكو- الولاياتالمتحدةالأمريكية، واتخذ عضوية هيئة التدريس في جامعة الملك سعود، قسم الأدب الانجليزي أستاذاِ وتولى مناصب إدارية في قسمه، كذلك تولى رئاسة تحرير مجلة كلية الآداب، أصدر مقالات أدبية جمعت في كتاب: قراءة ثانية، عن مؤسسة اليمامة الصحفية ضمن كتاب الرياض- 2000، وصدر له ترجمة كتاب: الأدب عملية اكتشاف عن الانجليزية، والآن يصدر ديواناً شعرياً، بعد تقاعده من التدريس والنشاط الجامعي، وهو مصنف ضمن كتاب المقالة السعودية في موسوعة الادب العربي السعودي الحديث، في المجلد الثالث- 2001، وهو يصدر هذه المجموعة الشعرية كما لو كانت اكتمالا لحياة- في دنيا الأدب- لا بد أن تكون شعرية!؟. .. لاأعتقد أن القصائد التي كتبها، خطاب، بعيدة عن المقولات النقدية التي وضعها في مقدمة الانطولوجيا الشعرية التي أعدها عبدالله بن إدريس: « شعراء نجد المعاصرون - 1960 » عن شعراء التيار الرومانسي، في نجد خاصة، حين تلمس في هذا التيار ممثلاً بعبدالله الفيصل ومحمد الفهد العيسى وحمد الحجي الررمانسية على أشدها من هروب إلى الطبيعة وإسقاط الأحلام الشخصية بأسلوب الذاتية الشعرية، فلم يخل أيضاً من ذلك تنبهه الانشقاق الداخلي- إن جاز تعبير- في نماذجه عبر شاعرين: ناصر بوحيمد ومحمد العامر الرميح أن يجد ملامح رمزية وسريالية عندهما، دون أن يضع نماذج أخرى تمثل الشعر الإلتزامي: سعد البواردي وعثمان بن سيار، وشعراء الإخوانيات: عبدالله بن عثيمين وعبدالله السناني. .. إذن، تلك المقولات التي خصت كبار ممثلي الرومانسية وانشقاقاتها الذاتية في الرمزية ليست بعيدة عن تصنيف شعر خطاب، الذي لم يكن في روحه الشعرية إلا عربياً في أحايين كثيرة على أنه يستعير لغة أخرى، هي الإنجليزية، ولا يمكن فهم شعر خطاب هذا سوى إلقاء عين على ما قلناه في مبحثين: - افتراض المجايلة الأدبية دون المواكبة في النشر. - اعتماد لغة أخرى غير المفترض أن يكون بها شعره، وهي العربية. - إن الذي ألفتني إلى التجربة أنها تكفي عن مجاميع شعرية، فقد قال بها خطاب كل ما اختزنه في حياته الشعرية التي كمنت حتى ظهرت الآن بعد لأي أونسيان منه. .. المجموعة الشعرية مقسمة إلى خمسة فصول: فلسطينيون، من اليابان، عن الجمال، تأمل وعرضياً (مذيلات). فما يراعينا للوهلة الأولى، هو شعر قضية (فلسطين نموذجاً)، شعر وصفي (اليابان نموذجا)، شعر رومانسي (عن الجمال)، وشعر رمزي (تأمل). أما المذيلات لاتخرج أجواؤها عن كل فصول المجموعة. .. في الفصل الأول تطالعنا عناوين من وحي القضية: القدس، الصخرة (مهداة إلى سلمى الخضراء الجيوسي)، والضحكة الأخيرة التي يتحدث بها على لسان شارون (الرئيس الإسرائيلي)، والأخيرة تساؤلات طفل فلسطيني وحيد، وهي القصيدة التي احتكمت إلى حوارية مفترضة بين طفل وأم يسألها، وهي ميتة، عن أبيه في الجنة ينام؟: أين أبي، أين؟./ أهو في الجنة؟. كما أخبرتني./ أأنت هناك لتريه؟./ هل ينام الناس في الجنة؟./ خذيني إلى هناك أريد أن أنام» (ص:11). .. تتجاوز القصيدة مرجعيتها الموضوعية عن فلسطين إلى حوارية من الممكن أن تكون بين أي طفل وأمه في عصر حروب غير فلسطين، وجميلة تلك الصورة التي تتكلم عن ذلك العدو ( أو الرجل الكبير) الذي يسرق ألعاب الطفل إلى أطفاله الذين يتساءل الطفل نفسه لما لا يلعبون أطفال (الرجل الكبير) معه؟. .. استخدم قالب السيريناد الشعري ليكون استفتاح أول قصيدة من الفصل الثاني في قصائده التي تحفل باليابان مدنا وحالات تعبيرية رومانسية، بين هيروشيما وخيوط الشمس (ص:13)، عن الحب الذي لايباع في الجنيزا (ص:14)، وأرض إلس نيبون التي لن تغفر لحجاجها من الشرق (ص:15) وتشهد طوكيو على قسم ذلك اللعوب الذي يرجو بوابات الجنة (ص:17)، وينتهي إلى ختام وصفه بمتناقضات لاترى إلا في اليابان (ص: 19). .. تتجلى رمزية شعرية في أول قصيدة يستفتح بها الفصل الثالث معتمداِ على رمزية التفاحة، بين آدم و الشيطان (ص: 23)، والتي تتحدث في موضوعة الاتصال التليفوني لامرأة (ص: 26)، فكأن أجواء سعيد عقل هنا منقولة أومتقاطعة ما بينهما. .. استوقفني أثناء الترجمة قصيدة: « مكشوف» (ص: 28)، التي توحي أنها تحوم حول موضوعة الشعر العذري العربي، في كثير من النماذج التي تتحدث عن الوجه المبرقع لتعيدنا إلى مناخ القصيدة العربية الغزلية في القرون الوسطى، مثل: « قل للمليحة في الخمار الاسود (للدارمي)، والشهيرة بلا صاحب: « جاءت مبرقعتي في غيهب الغسق»، فهذا النص يحوم حول الجمال الذي يختبىء وراء الحجاب، وشغف العين التي تريد أن ترى والقلب الذي حيره أمر تفاصيل الوجه المختبىء. فلو لم يكن الشاعر عربياً، لما كان لنا حرج أن نرى ذلك الشعر من منظار استشراقي. .. ينطلق لإحدى القصائد من أسلوب التعريفات الشعرية، وهو غير المألوف في القصيدة العربية موقوقاِ في شكل شعري، بل هو ضمن سياق الوصفية الشعرية، كالذي قدمه شاعر مثل نزار قباني في مجموعته الرائعة: «كتاب الحب»، فنجد عند خطاب قصيدة: «ما الحب؟» (ص: 31) تحاول أن تلعب على جناسات صوتية ثقيل جرسها الموسيقي على قصيدة يرجى منها أن تكون في شذرتها مالا يتوقع لكن سطراً منها يضعنا في جمود الحب بالإنجليزية:« الحب هو مستحيل الممكن/ هو ممكن المستحيل» (ص: 31). .. قصائد الفصل الرابع أكثر تماسكا وتوافراً على الصنعة الشعرية، في مجازها وصورها التي تتوسل رموزا ميثولوجية أوصوفية (روحانية)، وهذا يتجلى في قصيدة: «مآذن» (ص: 35)، ولا أحد يسمع (ص: 38)، ثم القصيدة الجميلة (المترجمة): «اللؤلؤة» (ص:39)، أو القصائد التي تلتجىء الى اليومي والهاش تصعيداً لمقولة حكمية أو وعظية،مثل: « الزهرة المريضة» (ص: 40) أو قصيدة: «انتظار» (المترجمة (ص: 41). .. تتميز بكثير من التكثيف والإيحاء بعض قصائد هذا الفصل، مثل قصيدة: «دوار» (ص: 45) التي وظف فيها نظرية جاليليو، وقصيدة: «وحيد» (ص: 47) التي استعاد بها الإيقاع الشعري راقصاً في قوافيه. .. لو أمكن لاحد من عارفي تنسيق مجموعة شعرية وتوفرت بين يديه هذه، فلا بد أن يتخلى عن قصائد آخر فصل، فهي لاتعدو أن تكون بين المذكرات والإخوانيات، أو الرسائل والمشاهدات الانطباعية، وهذا ما يتضح في قصيدة احتفائية بمنصور الحازمي (ص: 57-59) أو أحمد البدلي (60-61)، وقصيدة تسونامي (ص: 64). .. عموماً، لا أعرف تحديداِ كيف أنهي هذه المقالة التي تتناول آخر مجموعة شعرية من تيار الشعر السعودي الرومانسي، والتي تستعير لغة شكسبير تقيم في عزلة بين مضمونها العربي الطابع ولغتها الاجنبية، عوضاً عن أنها ليست متصلة بمشروع شعري ولا تعدو سوى أن تكون مذكرات شخصية تشغل متقاعد سيطر، على تنوع مواضيعها، حال فراغ ذاتي جاء بعد نهاية مشوار تعليمي طو يل، وترجمة أدب قليل مع مقالات أقل بالكاد جمعت في كتاب، وقصائد ربما هي كتبت على هامش حياة أكاديمية لا أعرف مدى اهتمام آخرين بها كأن تبقى هماً دارسياً تاريخ الأدب السعودي نموذجاً يكرس لهوس التصنيف بأنها أول مجموعة شعر سعودي باللغة الإنجليزية.. '' المجموعة الشعرية صادرة عن دار المفردات- 2005، بالرياض. '''' حاولت أن أحافظ في القصائد المترجمة على روح المضمون بتعريب مقارب من لغتها. قصائد مترجمة شعر: عزت خطاب ترجمة: أحمد الواصل -1- مكشوف/ Betrayed احجبي ذلك الوجه الذي تملكينه، رجاء. إنك لتروعين حبال العقل.. القلب في حيرة من تحديه، والعين يمتعها ذلك الصدود.. -2- اللؤلؤة/ The Pearl لؤلؤة القلب، أ هي مشدودة بإحكام؟. (أ هي) لقية الغريب من تنقيب الصحراء؟. تلك اللحظة المفزعة تسعدني تبحر في الأبدية.. تطرق فناء البرايا.. لتسلم اللؤلؤة السر المفضوح والغموض المقدس. في الإسراع فقد، وفي الأناة فقد أيضا.. -3- انتظار/ Waiting انتظار.. انتظار.. انتظار.. في كل مكان ولا من إشارة تكترث: ازدحام المرور، مواعيد الاطباء! عيون الكاشير تعلق بأزرارها! بيروقراطية الأشرطة الحمراء! (إنما) الانتظار والتفكير يخففان ويمنحان الآمال لحظة بقاء.. -4- أنياب العزلة/ How I miss you مرة أخرى، طرقعة المفتاح الصدىء والخادم يقود انني صوب أنياب العزلة.. الحقيبة في محملها.. يفغر التنين فمه العجيب معلنا انتصاره التهكمي.. فأواجهه بدفاع ضعيف، لم أتعلم درس الحياة: مجردا، أركع.. مجردا أعيد غلطتي..