مع اقتراب شهر رمضان المبارك بدأت كثير من القنوات التلفزيونية الفضائية والأرضية بل وبعض الإذاعات في سباق محموم لكسب أنظار المشاهدين والمستمعين إليها طلباً لزيادة الإعلانات من جهة، ومن جهة أخرى للفوز بأكبر قدر من كعكعة الاتصالات الهاتفية التي تقتات عليها تلك القنوات، وهو قوت وإيراد يدخل في مضمار الحرام، لكون تلك الاتصالات التي يريد المتصل من خلالها الفوز بإحدى جوائز السابقات، نوعاً من القمار وشكلاً من أشكال الميسر . هذا التسابق المحموم يأتي في وقت يكون فيه المسلم بحاجة إلى العودة إلى الله وكسب الحسنات في هذا الشهر الكريم الذي تتضاعف فيه الحسنات وفيه من وجوه وأبواب الخير ما لا يقدره إلا من أتاه الله قلباً واعياً، وبصيرة نيّرة، وفكراً راقياً، ونفساً توّاقة للخير ساعية لكسب الأجر .بيد أن مثل هذه القنوات أخذت على عاتقها حرمان المسلمين من هذه الروحانية والسمو النفسي والرقيّ الأخلاقي . كنّا نسمع التحذيرات والنصائح من بعض المخلصين الذين يؤكدون على اغتنام كل لحظة في هذه الشهر وأن يكون الصيام والقيام وتلاوة القرآن والتسبيح والتكبير والدعاء هي السمة الغالبة على حياة المسلم في هذه الشهر، بل كانوا ينصحون بعدم جعل رمضان مجرد عادة تكثر فيها الموائد وتتنوع فلا تتحقق لهم مكاسب كثيرة من فوائد رمضان الصحية .إلا أن هذه النصائح يبدو أنها ستكون في غير محلها في زمن الفضائيات .ذلك أن كثرة الموائد وتنوعها، ولئن كان فيها نوع من التنعم واقتراب من ميدان الإسراف إلا أن ذلك أهون بكثير من الجلوس أمام هذه القنوات الهابطة التي أخذت على عاتقها مهمة إفساد أخلاق المسلمين ونشر الرذيلة سواء في المعتقد والسلوك وتهدر روحانية الصيام وتقضي على العلة والحكمة من فريضة الصيام بالكلية، فينقلب شهر رمضان من شهر صيام ورحمة ومغفرة وعتق من النار وتوبة نصوح إلى شهر مسابقات ومسلسلات تجلب الذنوب وتزيد من السيئات وتبعد المسلم عن ربه وهذا ما يسعى إليه كثير من المسؤولين عن هذه القنوات، وإلا فما الحكمة من كثرة المسابقات والمسلسلات في رمضان بالذات . إنه من الثابت شرعاً إن في شهر رمضان من الخيرات وأبواب المغفرة وسبل التوبة وكسب الحسنات ما ليس في سواه من الأشهر الأخرى وفي شهر رمضان من الفرص السانحة والمانحة التي تقرب العبد من ربه وتجلب له الخير ما ليس في سواه من الفرائض الأخرى .ففي رمضان الصيام والذي قال عنه الرسول فيما يرويه عن ربه : " كل عمل ابن له، الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزئ به ." وفي رمضان للمسلم دعوة لا ترد، وفيه مزية من يحرم منها فقد حرم الخير كله، فقد قال رسول الله : " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه " والإيمان والاحتساب قد لا تتحقق مع متابعة هذه المسابقات المحرمة والمسلسلات الهابطة . وهذا الحشد الكبير من المسابقات والمسلسلات يستوعب الليل كله، وجزء كبير من النهار يبدأ من بعد العصر وهذه الأوقات أوقات فاضلة ينبغي للمسلم المحافظة عليها واغتنامها، وأن لا تضيع في مثل هذه المسابقات فالمسابقات تكون من قبيل المقامرة والميسر، وهذا محرم في سائر الأوقات فما بالك بأوقات رمضان والمسلسلات تكون مملوءة بالسخرية والاستهزاء من شرائح معينة في المجتمع، والسخرية والاستهزاء بالناس لا يجوز، وقد قال الله : " يَا أَي ُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا َيَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن ي َكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيم َانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالمُِونَ " علاوة على ذلك فإن وجود هذا الحشد الكبير من النساء في هذه المسلسلات وهن كاسيات عاريات فاتنات فإن وجودهن ليس مجرد لأداء أدوار معينة في المسلسل بل للإغراء وجلب عيون المشاهدين نحو هذه المسلسلات وبالتالي حصول القناة على أكبر قدر من المشاهدين والمتصلين المغفلين الذين يسعون للفوز بجواز ملوثة بالحرام . ومن خلال ضياع الأوقات الثمينة في ليالي رمضان لمشاهدة المسلسلات ومتابعة المسابقات، فإن الإنسان المسلم يفوته خير كثير وأجر عظيم، لأنه لا يمكن للإنسان أن يتابع المسابقات ويشاهد المسلسلات، وأن يقوم في ذات الوقت بقيام رمضان كما ينبغي ويرضاه الرب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " والقيام المطلوب لا يتوفر للمسلم في ظل الشغف الظاهر والمتابعة الدائمة لهذه القنوات، وبخاصة أنها بعيدة كل البعد عن الروحانية والإيمان والسمو الأخلاقي . وتأتي هذه المسلسلات في وقت يكون المسلم بحاجة لكل حسنة للاستزادة في الخير فيفوته من الأجر والخير الشيء الكثير، ففي ليالي العشر الأخيرة تزداد هذه المسابقات شراسة وتزداد المسلسلات كثرة في الوقت الذي يكون فيه ليلة واحدة تعادل ألف شهر يعني " ثلاث وثمانين سنة " فقد قال الله : " لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ " ، ومن يفوته قيام هذه الليلة فأي خير هذا يفوت على المسلم ! ؟ .وأيحرب تشنها هذه القنوات على المسلمين .وأي جرأة يحملها هؤلاء العابثون بإفساد روحانية رمضان وجلاله ومكانته .فضياع هذه الليلة معناه ضياع العمر كله، فقد قال رسول الله : " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " فقيام ليلة واحدة تغفر الذنب المتقدم كله، إنه خير عظيم، ولكن يأبى المحاربون للأخلاق والعابثون بالقيم إلا أن يفسدوا على الناس أخلاقهم وروحانية رمضان .فهل يدرك القائمون على هذه القنوات خطورة ما يبثونه من خلالها على المسلمين وعقيدتهم وأخلاقهم . اللهم أجعلنا ممن صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً إنك ولي ذلك والقادر عليه . ص . ب 9299 جدة 21413 فاكس : 6537872 [email protected]