قبل أيام معدودة انتهيت من متابعة أطول مسلسل سعودي بالتاريخ "90" حلقة على قنوات OSN، مسلسل "عندما يزهر الخريف" من إنتاج التلفزيون السعودي، لم يلتفت له الكثيرون وتتحرك الأمور إلا بعد مقال الزميل رجا المطيري الذي اندهش من خلاله كيف ينتج التلفزيون مسلسلاً تكلف أكثر من 10 ملايين ريال ويكون عرضه الأول على قناة فضائية أخرى وبمقابل مادي قد لا يتجاوز 10 بالمئة من تكلفته. وللأسف بعد عشرات الحلقات تم عرضه على التلفزيون السعودي صاحب العمل، في سابقة إعلامية لا أعلم ما تفسيرها في زمن يجعل من مشاهدة القنوات المشفرة أمراً سهلاً عبر عرض أي عمل على قناة يوتيوب وإتاحة الفرصة لمئات الآلاف للمشاهدة ومجاناً، ما دعاني للحديث عن هذا المسلسل وظروفه الإنتاجية سببان، الأول سوف أتناول "عندما يزهر الخريف" برؤية نقدية كونه أطول مسلسل سعودي وأيضاً أغلى مسلسل وأيضاً الكثير ولكن ليس اليوم، لأن السبب الثاني يتعلق بموضوع الإنتاج الدرامي بالسعودية والظروف المحيطة به، خصوصاً أن أول ظهور إعلامي مباشر لوزير الثقافة والإعلام د. عبدالعزيز الخضيري كان بالاجتماع بالمنتجين السعوديين والاستماع لهم والحديث معهم يوم الاربعاء الماضي. في السعودية تقريباً عندما تتحدث عن الإنتاج الدرامي، لا تلتقي بمستثمرين أو أصحاب رأس مال أو رجال أعمال مهتمين بهذا الشأن مثل الكثير من الدول المتقدمة بهذا المجال، أنت تجد نفسك أمام ممثل وشركته أو مؤسسته الإنتاجية، أنت في السعودية تجد الممثل وبطل المسلسل ومنتج المسلسل والمؤلف والمخرج والمتحدث الرسمي في "رجل واحد"، هذا الأمر لا أبالغ فيه، فهو واقع، وللأسف الظروف في تلفزيوننا منذ سنين طويلة أوجدت مثل هذه الظاهرة الطريفة والمؤلمة بالفعل. والنتيجة إنتاج درامي سعودي فاشل بكل ما تعنيه الكلمة، وبالعكس تماماً ممثلون أصبحوا من أصحاب الملايين، واحتكروا الأعمال لصالحهم، وطبعاً التلفزيون الذي يعمدهم أو يمولهم هو الضحية من النقد والاستهجان، لأنه من ساهم بنسبة 90 بالمئة وبدون مبالغة بهذا الفشل، والنتيجة تبريرات ووعود تذهب مع الريح ويتكرر الأمر للأسف. ولكن ما هي النتيجة المتوقعة مع إيقاف شرهات التلفزيون أو عفواً تعميدات الملايين؟ ماذا نتوقع من القرار الجديد بإيقاف التعميد واعتماد التلفزيون على الإنتاج، كقرار تقريباً مشابه للخطوة الكبيرة التي اتخذتها قناة روتانا خليجية بعد دخولها بتعميدات الملايين للممثلين وبالأخير أعلنوا وبشفافية فشل هذه التجربة وتغيير خطهم بهذا الخصوص. من وجهة نظري خطوة التلفزيون رغم إيجابيتها نوعا ماً، إلا أن فيها من المغامرة الشيء الكثير، كون التلفزيون السعودي غير مؤهل بطاقم خبير بالدراما يعملون تحت مظلته، وسيفشل أكثر لو كرر تجربة الاستعانة بالمستشارين الأكاديميين، كما أن الاستعانة بخبرات بهذا المجال ستكون مكلفة ومقاربة لمبالغ التعميدات المليونية التي كان يصرفها لأشخاص محدودين. من وجهة نظري الحل هو في دمج شركات الإنتاج الموجودة ودمج المنتجين الممثلين الأبطال وإنتاج على الأقل عملين أو ثلاثة على الأكثر مبدئياً وقياس هذه التجربة، رغم ثقتي أن هذا الأمر لن يتم، لأن الكل يريد الملايين والبطولة له وحده فقط، أو دبلجة المسلسلات التركية والهندية باللهجة المحلية السعودية وعدم التعب وصرف الملايين على الفاضي كما شاهدنا وبحزن في مسلسل "عندما يزهر الخريف" وبذلك نرتاح ويرتاح الوزير ورئيس هيئة التلفزيون أيضاً من الاجتماع بأشخاص هم الممثلون والمنتجون.. الخ، وتصبح الأصوات عالية ومشتتة ودون تطور يذكر.