(وَالْمُؤْمنُونَ وَالْمُؤْمنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْليَاءُ بَعْض يَأْمُرُونَ بالْمَعْرُوف وَيَنْهَوْنَ عَن الْمُنْكَر وَيُقيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).. واسعة هي مساحة المشترك بين المؤمنين والمؤمنات في الآية الكريمة أعلاه فهي تقريبا تحتل جميع الفضاء الاجتماعي بينهما، كمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو الفريضة الإسلامية التي تتعالق مع جميع النشاط البشري وسعيه الدائم نحو القيم والمثل السامية والمبادئ العليا وتجلياتها في المجتمع. وقد فسر ابن كثير الولاية في الآية الكريمة السابقة بالتناصر والتعاضد (وهو أمر يقوم بين الأنداد)، بينما فسرها الطبري أن بعضهم أنصار بعض وأعوانهم، كما فسرها القرطبي بأن قلوبهم متحدة في التواد والتحاب، وهما تفسيران لايخرجان عن معنى ابن كثير من حيث المشاركة والمفاعلة. ولا أدري لمَ حيدت هذه الآية الواضحة كفلق الصبح عن المدونة الفقهية عند استخراج الأحكام الفقهية المتعلقة بتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة؟! رغم جميع الأثر النبوي الكريم الذي يدعمها ويرسخها (وعاشروهن بمعروف)، (استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عوان عندكم)، (النساء شقائق الرجال)؟ واستبدل بدلا منه التركيز على آية القوامة (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) وجعل هذه الآية هي محور ارتكاز العلاقة ولبها بين المرأة والرجل، رغم أنه في قوله تعالى بما (فضل بعضهم على بعض) لم يتضح ما هو مناط التفضيل؟ وإن كان عليه الصلاة والسلام وضحه بكل ما صدر منه من قول وفعل يكرم النساء حتى إنه أدرجه في خطبة الوداع عندما قال (استوصوا بالنساء خيرا) وعدا ذلك من تفسير للآية فهي اجتهادات فقهية لم يحسم الفقهاء بها نوع التفضيل بل اختلفوا حوله! وإن كانت الآية من ناحية أخرى تدرج واجبات النفقة على الرجل.. إلى درجة أن بعض الفقهاء المحدثين قالوا إن الولاية تسقط بسقوط النفقة، أو غياب الأهلية. يذكر في هذا السياق الشيخ سامي الماجد عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام (وليس من القوامة أن يستبدّ برأيه ويظلمها، ويشق عليها، ويقتصد في نفقتها، ويمنعها مما أباحه الله لها، ويحرمها من طيبات ما أحل الله لها، وليس من معنى القوامة أن يضربها ضربًا مبرحًا، كما يضرب السيد عبدَه، أو يضربها من غير سبب، ولو بالضرب غير المبرح. وليس من معنى القوامة أن يصادر رأيها، ويحقرها، ويحجر على عقلها، فالإسلام بريء من كل هذا، ولا يعني منح القوامة للرجل أن يكون هو الأفضل مطلقًا عند الله، بل الأفضل والأكرم الأتقى، كما جاء في الآية المشهورة.) هذه المقاربة المستنيرة للنص المقدس هي بالضبط ما تحتاجه النساء من إعادة النظر في مفهوم الولاية والقوامة كما يتبدى في وقتنا الحاضر، وهما تشريعان يهيمنان ليس فقط على جميع شؤون النساء بل أيضا على جميع المعاملات الرسمية المتعلقة بهن، من خلال تفسيرات ومقاربات مغلقة متعنتة، تحرم النساء المواطنات من الكثير من حقوق المواطنة.. كحقها في التعليم والعمل والتنقل والتجارة واستصدار أوراق رسمية.. دون أن يكون هناك موافقة من ولي الأمر.. الذي هو بدوره ليس في جميع الأحوال يتمتع بالملاءة المادية أو العقلية أو النفسية. المؤسسة العدلية لابد أن يتم عبرها ومن خلالها إعادة النظر بل إعادة بناء لنظام الولاية لدينا من خلال قوانين الأحوال الشخصية ومدونة الأسرة، فنظام الولاية بشكله الذي هو عليه الآن، بات مصدرا لبؤس وشقاء وعذابات الكثير من المواطنات. لمراسلة الكاتب: [email protected]