سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ما أسباب العنف ضد المرأة؟(2) بموجب هذا الموروث الفكري تمّ تعامل المفسرين والفقهاء مع النصوص القرآنية, فأصبح هناك تباين كبير بين النص الديني والواقع الاجتماعي الذي تعيشه المرأة المسلمة
العنف ضد المرأة ظاهرة عالمية, وقد بيّنتُ في الحلقة الماضية أنّ الموروث الفكري والثقافي لدى اليهود والمسيحيين هو السبب الحقيقي لممارستهم العنف ضد النساء, وشابوا ديانتيهم بمعتقدات متوارثة تحقر من المرأة وتدينها بالخطيئة الأزلية, وتسلبها أهليتها, وليس هذا في صحيح هاتيْن الديانتيْن السماويتيْن, فمارسوا العنف ضد المرأة بموجب تلك المعتقدات والموروثات, ونسبوها إلى ديانتيهما. وممارسو العنف ضد المرأة من المسلمين نسبوا ما يمارسونه إلى الإسلام, والإسلام من ذلك براء, وذلك طبقًا لما درسوه وتناقلوه من كتب التفسير والحديث والفقه. فقد اعتمد مفسّرون في تفسيرهم للآيات القرآنية المتعلقة بالمرأة والعلاقات الأسرية والزوجية على ما يحملونه من موروث فكري وثقافي قائم على تحقير المرأة والتقليل من شأنها وسيادة الرجل عليها, وسلبها أهليتها وقبلوا أحاديث ضعيفة وموضوعة لأنّها توافق تلك الموروثات, واستندوا عليها في تفسيراتهم؛ إذ أساءوا فهم القوامة والولاية والنشوز, والدية, وشهادة امرأتين برجل واحد, وغيرها من الآيات, وبنى فقهاء أحكامهم الفقهية على ذلك الموروث مستدلين بما فسّره المفسرون, وبأحاديث ضعيفة وموضوعة, بل هناك أحكام فقهية صدرت من الأئمة الأربعة لا سند لها من القرآن والسنة كعدم إلزامهم الزوج علاج زوجته المريضة, يقول فضيلة الدكتور وهبة الزحيلي»: قرر فقهاء المذاهب الأربعة أنَّ الزوج لا يجب عليه أجور التداوي للمرأة المريضة من أجرة طبيب وحاجم وفاصد ،وثمن دواء، وإنَّما تكون النفقة في مالها إن كان لها مال، وإن لم يكن لها مال وجبت النفقة على من تلزمه نفقتها لأنّ التداوي لحفظ أصل الجسم، فلا يجب على مستحق المنفعة كعمارة الدار المستأجرة تجب على المالك لا على المستأجر»[انظر:أ. د. وهبة الزحيلي: الفقه الإسلامي وأدلته:7794] ويقول ابن قدامة « الحنبلي» في المغني:» ولا يجب عليه أي الزوج شراء الأدوية ولا أجرة الطبيب لأنّه يراد لإصلاح الجسم، فلا يلزمه، كما لا يلزم المستأجر بناء ما يقع من الدار وحفظ أصولها، وكذلك أجرة الحجام والفاصد.» [ابن قدامة: المغني،9/236،كتاب النفقات، فصل رقم « 6460»،الطبعة الثانية،1417ه 1997م، دار الفكر، بيروت- لبنان] هذا الحكم الفقهي يتناقض مع ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية عن العلاقات الزوجية المبنية على السكن والمودة والرحمة, والعشرة بالمعروف, وما جاء في صحيح السنة عن تخلّف سيدنا عثمان بن عفّان عن غزوة بدر لمرض زوجته؛ إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:» ابق معها ولك أجر رجل ممن شهد بدرًا، وسهمه».[ رواه البخاري: كتاب المناقب، باب: مناقب عثمان بن عفّان] والمفسِّرون لم يتخلصوا من هذا الموروث الفكري والثقافي تجاه المرأة, فنجد الإمام ابن كثير فسر الآية رقم (16) من سورة الزخرف: أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ} “كذلك جعلوا له(لله) من الأولاد أخسهما وأردأهما وهو البنات، ونجد الزمخشري أيضاً يعتبر الإناث أخس من الذكور، فقال:» قد جمعوا في كفرة ثلاث كفرات، وذلك أنّهم نسبوا إلى الله الولد، ونسبوا إليه أخس النوعيْن ،وجعلوه من الملائكة الذين هم أكرم عباد الله على الله فاستخفوا بهم واحتقروهم.» كما نجد الإمام البيضاوي ينضم إليهما، فيفسر قوله تعالى:( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا) كفر آخر تضمنه مقالهم شنع به عليهم، وهو جعلهم أكمل العباد، وأكرمهم على الله تعالى أنقصهم رأيًا، وأخسهم صنفًا.» ولقد بيّن الله هذا الموروث في آيات كثيرة منها قوله تعالى (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ. )[ النحل : 58-59] (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) [ التكوير: 8-9] (وقالوا مَا في بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةً لِذُكُورِنَا وَمُحَرّمٌ على أَزْوَاجِنَا)[الأنعام: 139] وبيّن عاقبة ذلك بقوله تعالى في الآية التي بعدها(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ [الانعام: 140] بموجب هذا الموروث الفكري تمّ تعامل المفسرين والفقهاء مع النصوص القرآنية, فأصبح هناك تباين كبير بين النص الديني والواقع الاجتماعي الذي تعيشه المرأة المسلمة, فلقد كرّم الإسلام المرأة التكريم كله ,وساوى بينها وبين الرجل في الحقوق الدينية والمدنية والمالية والسياسية والتعليمية والاجتماعية والثقافية, ولم يفضّل مخلوقا على آخر إلّا بالتقوى(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) وساوى بين الذكر والأنثى في الإنسانية والأجر والثواب (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)[ النساء:1](وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ )[غافر: 40] وقال الرسول صلى الله عليه وسلم» إنّما النساء شقائق الرجال» ومع هذا نجد السائد لدى معظم الرجال بمن فيهم مفسرون ومحدّثون وفقهاء أفضلية الرجل على المرأة, وأنّه رئيسها وكبيرها، والحاكم عليها ومؤدبها إذا أعوجّت معطين للقوامة معنى الاسترقاق والاستعباد والقهر, وترتب على هذا المفهوم الخاطئ للقوامة, ومفاهيم خاطئة أخرى ما يمارس من عنف ضد المرأة. للحديث صلة. [email protected] [email protected]