قبل مدة سنحت لي الفرصة لزيارة قصيرة للوطن الغالي وصادف أنها يوم جمعة فحضرت الخطبة في احد جوامع الرياض وكان الخطيب متحمسا وشن هجوما قويا على فريق آخر في مسألة خلافية. وللخطيب الحق في ابداء رأيه وأدلته في هذه المسألة ولكن دون هجوم وتجريح للفريق الاخر ! وأصدقكم القول اني تضايقت بغض النظر هل انا مع فريق الخطيب او ضده في هذه المسألة لان الموضوع اخذ منحنى التجريح الشخصي والدخول في النيات وما زاد ضيقي اني قلت في نفسي بعد كل هذه السنين من البعد عن البلد ارجع وأجد ان هنالك من لا يزال لا يتقبل الرأي الاخر! ولغة الحوار لم تصل للنضج المطلوب خصوصا ان موضوع النقاش خلافي وهناك ادلة تدعم الطرفين، ولكن بعد نهاية صلاة الجمعة لاحظت ان جماعة من المصلين من مختلف الاعمار اخذوا الخطيب على جنب حتى لا يشوشوا على من يتسنن من المصلين وبدأوا نقاشا راقيا مع الخطيب في خطبته ولم اتمكن من حضور الا نصف النقاش لكن اللافت هو وجود حجج وادلة ترد على الخطيب بلغة علمية راقية ولم يكن هناك انتقاد شخصي للخطيب بعينه بقدر ما هو انتقاد للهجوم على الاراء الاخرى وايضا تفنيد مفصل لبعض ما جاء في الخطبة . ولأكون صريحا مع القارئ فقد فرحت ان المجتمع تغير وبدأ يناقش ويحاور ولا ياخذ كلام اي احد على انه من المسلّمات وايضا أعجبت بمستوى الادلة واللغة الراقية في التعامل مع الامام. للاسف ما زال البعض لم يفهم ولم يطبق فقه الاختلاف وهو من اهم ميزات ديننا الحنيف ويسميه بعض العلماء تسمية جميلة فلا يقول اختلاف الفقهاء بل (سعة الدين) ومن فضل الله تعالى على امة محمد - صلى الله عليه وسلم - انه لم يجعلنا مجرد نسخ متشابهة من بعضها قال تعالى (ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة) بل وحد الاسس وترك التفاصيل للفهم والاجتهاد ومن مرونة الدين الاسلامي وجود المذاهب الاربعة. ولم ينقل او يذكر عن الائمة الاربعة ان احدهم كال التهم للاخر او دخل في نيته بل كانوا يحبون بعضهم البعض ويعذرون بعضهم فيما اختلفوا فيه. ولا ارى اي سبب يدعو للفرقة فأصول واسس الدين الاسلامي واحدة في كل المذاهب الاربعة ولكن التفاصيل قد تختلف وهذا من غنى وسعة وتيسير ديننا الحنيف. والصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا في وقت الرسول في بعض المسائل على حسب فهمهم ولم ينكر عليهم الرسول كما في حديث (لا يصلين احدكم العصر ....) وخلاف الصحابة في بعض التفاصيل الاجتهادية صحي وهم على ما هم عليه من المحبة كاختلاف ابن عمر مع عمر رضي الله عنهما في بعض مسائل الحج. لا يوجد لاحد ايا كان قدسية او عصمة بالاسلام بعد موت سيدنا محمد - عليه افضل الصلاة والسلام - وهذه من اهم ميزات الدين الاسلامي وكل يؤخذ من رأيه ويرد الا صاحب قبر المدينة وقد سئلت في بعض المرات من بعض الذين لا يعرفون الدين الاسلامي ماذا يميز الاسلام ؟ وكانت اجابتي ان علاقة العبد مع الله مباشرة لا يوجد واسطة بينهما لا قسيس ولا حبر ولا شيخ يغفر الذنوب كما في بقية الديانات ولا توجد قدسية ولا عصمة لاحد حاليا في الاسلام. والسؤال الاخر الذي يطرح ويستخدمون فيه مصطلحا قد لا نرغب بذكره ولكنه مستخدم كثيرا في الخارج لوصفنا وهو لماذا انت وهابي ؟ وجوابي ببساطة ان ديننا لا يضع قدسية، وما يقال عن بعض التشدد في بعض المسائل الفقهية فانه لا يلزمنا اتباعهم. أعتقد اننا كمجتمع سعودي يجب ان نركز جهدنا على مسائل العقيدة الصافية لان هذا جوهر التميز ونترك المسائل الخلافية والاجتهادية لانها من سعة الدين. *مما قيل هذا الاسبوع : اللهم اشف عبدك عبدالله بن عبدالعزيز وأعطه الصحة والعافية . لابي متعب -حفظه الله - مكانة في قلوب الشعب السعودي وأنا احدهم فهي محبة صافية من القلب للقلب، هي طيبتك ام حكمتك ام تواضعك ام ابوتك ام صدقك ام عدلك؟ الشعب يحبك بصدق ويدعو لك بعاجل الشفاء.