تصنف "صعوبات التعلّم" ضمن الإعاقات الأكثر انتشاراً، حيث تشكل (51%) من بين الإعاقات الأخرى، كالإعاقة البصرية والسمعية والفكرية وغيرها، وتعد صعوبات التعلم اضطرابات مستترة وخفية، حيث يبدو الطالب طبيعياً في كل شيء، فهي ليست واضحة للعيان، كما هو الحال بالنسبة للإعاقات الأخرى، كالعقلية، والبصرية، والسمعية، والجسمية، والحركية وغيرها من الإعاقات، إلاّ أنّها تحد من تقدمه في الدراسة، ويصبح غير قادر على اكتساب المهارات اللغوية أو الإدراكية البصرية أو التعلم بطريقة عادية مثل زملائه في الفصل، وبذلك يكون هناك فرق واضح بين قدرات التلميذ العقلية والتحصيل الأكاديمي المطلوب منه، أو المفترض الوصول إليه بناءً على قدراته العقلية الذهنية. ويظهر على طالب "صعوبات التعلم" بعض من الخصائص والصفات التي تميزه عن غيره من الطلاب العاديين، كالضعف الأكاديمي في مادة القراءة أو الكتابة أو الرياضيات، أو الصعوبة في إحدى تلك المواد، كحذف بعض الحروف والأرقام، أو عكسها، أو الخلط في كتابتها، إلى جانب ظهور تشتت كبير في الانتباه، ونشاط زائد، وصعوبة في تذكر الواجبات ومتطلبات الحياة، وعدم القدرة على التفكير المنظم، والتخطيط والترتيب في الحياة، وظهور مشاكل في بعض المهارات الاجتماعية، والاندفاع، والتهور، والانفعالية، وغير ذلك، ويمكن أن يتصف الذي لديه صعوبات تعلم ببعض تلك الخصائص وليس جميعها، لكن إذا لم يوجد لديه صعوبة أكاديمية، فهذا يدل على عدم وجود صعوبات التعلم. غياب الخدمات وذكر "د.إبراهيم بن سعد ابونيان" -المتخصص في مجال صعوبات التعلم بجامعة الملك سعود، ونائب رئيس مجلس إدارة جمعية صعوبات التعلم الخيرية - أنّ خدمات تعليم التلاميذ الذين لديهم صعوبات التعلم وصلت إلى جميع مناطق المملكة، إلاّ أنّها لم تصل إلى جميع المدارس والتلاميذ، لافتاً إلى أنّ أكثر من (80%) من المدارس لا يوجد فيها برامج وخدمات للتلاميذ الذين لديهم صعوبات التعلم، مستنداً إلى الإحصائيات الصادرة من وزارة التربية والتعليم، مبيّناً أنّ المملكة ما زالت في بداية الطريق، وأنّ هناك حاجة إلى (37.000) معلم ومعلمة لتغطية الاحتياج الحالي لخدمة الطلبة الذين لديهم صعوبات تعلم، والبالغ عددهم (470.000) تقريباً، بناءً على اعتماد (10%) كنسبة انتشار صعوبات التعلم، أو (235.000) عند اعتماد نسبة (5%) من عدد طلبة المدارس في مراحل التعليم الثلاث البالغ قرابة (5.000.000)، بعد استثناء المخدومين ومن يتلقون الخدمة حالياً، والمتسربين، وبذلك يكون الاحتياج السنوي ما بين (3.000-4.000) معلم ومعلمة للمحافظة على استمرار الخدمات. وأضاف أنّ آخر إحصائية لبرامج صعوبات التعلم وتطورها الكمي كانت في المرحلة الابتدائية لعام 1434ه، حيث بلغ عدد برامج صعوبات التعلم للبنين أكثر من (1400) برنامج، يخدم فيها قرابة (18.000) تلميذ من قبل (1500) معلم، فيما بلغ عدد برامج صعوبات التعلم للطالبات (677) برنامجاً يخدم فيها (6890) طالبة، من قبل (610) معلمة، لافتاً إلى أنّ خدمات صعوبات التعلم في المملكة لم تصل لهذه المرحلة، إلاّ من خلال جهود فردية من المتخصصين، داعياً وزارة التربية والتعليم أن تضع خطة واضحة معلنة لخدمة جميع الطلبة الذين لديهم إعاقات؛ لكون القضية قضية وطنية وليست مجرد أرقام. وأشار إلى أهمية تطوير تعريف صعوبات التعلم تبعا للتطور العلمي الذي يبين طبيعة صعوبات التعلم وضرورة تغطيته لاستراتيجيات التعلم والمهارات الاجتماعية، منادياً بضرورة إيجاد مقاييس رسمية مبنية على المناهج، وتفعيل فريق التشخيص، وتطوير مهارات معلمي التعليم العام، حتى يتمكنوا من التعرف على مؤشرات صعوبات التعلم، قبل تعرض الطلبة للفشل الأكاديمي وما يترتب عليه من تأخر الخدمات، واحتمالية حدوث الضرر النفسي والاجتماعي على أولئك الطلبة، مقترحاً البدء في الاستعداد لتطبيق إجراءات الاستجابة للتدخل، واستراتيجيات دعم السلوك الإيجابي في التعليم العام؛ لما لها من قيمة كبيرة في تلافي كثير من المشكلات الأكاديمية والسلوكية والوقاية منها، وبذلك ستخدم التلاميذ الذين لديهم مشكلات أكاديمية أو سلوكية لكنهم لا يتأهلون لخدمات التربية الخاصة. تدريب التلاميذ ولفت "أبونيان" إلى أنّ الخدمات المقدمة للذين لديهم صعوبات في التعلم ما زالت تتمركز حول تدريس مهارات القراءة الأساسية وبعض مهارات الرياضيات، رغم ضرورة الاهتمام بتدريب التلاميذ على استراتيجيات الإدراك في القراءة واستراتيجيات حل المسائل الحسابية واللفظية، منادياً بضرورة تطوير الخدمات الأكاديمية لتشمل تدريب التلاميذ الذين لديهم صعوبات تعلم على استراتيجيات التعلم الفاعلة، وإدارة الذات والوقت، واستراتيجيات التنظيم، مؤكّداً على أهمية تقديم التسهيلات أثناء التعليم، كإعطائهم وقتاً إضافياً للواجبات، وقراءة الأسئلة للتلميذ، والتأكّد من فهمه قبل البدء، وإعطائه وقتاً إضافياً لأخذ الاختبار، وتوفير بدائل متنوعة لتقييم الأداء بدلا من الاعتماد على الاختبارات. وأضاف أنّ تجربة التدريس الجماعي للذين لديهم صعوبات تعلم مطبق في أمريكا، لكنه يختلف عما هو معمول به في برامج صعوبات التعلم بالمملكة، لافتاً إلى أنّ القانون في أمريكا يلزم بوضع خطة تربوية فردية لكل طالب أو طالبة، ويؤكّد على التدريس الفردي، وقياس تقدم كل تلميذ على حده؛ نظراً للخصائص الفردية النمائية والمعرفية والنفسية والاجتماعية لكل تلميذ لديه صعوبة تعلم، كما يوجد معلم مساعد مع معلم صعوبات التعلم يتولى ملاحظة سلوك كل تلميذ ويسجله ويحلل المعلومات؛ ليستفيد منها المعلم في إجراء التعديلات اللازمة، وتوزع الحصة الواحدة بين التلاميذ على أنشطة متنوعة وفق مراحل تعلم كل منهم، وقد يعمل التلاميذ جماعياً على بعض الأنشطة كما قد يساعد بعضهم بعضاً وفق برنامج مدروس ودقيق تحت إشراف وتوجيه معلم صعوبات التعلم. فريق عمل أحمد مجرشي وأكّد "أحمد بن عيسى مجرشي" –معلم متخصص في صعوبات التعلم– على أهمية تعاون فريق العمل لنجاح برنامج صعوبات التعلم، لافتاً إلى أنّ معلم صعوبات التعلم يقوم بعدة مراحل أثناء التعرف والاكتشاف، منها: المسح والتشخيص لجمع معلومات من عدة قنوات، وتطبيق اختبارات على ضوئها يتم الحكم على وجود صعوبة تعلم لدى الطالب من عدمها، لافتاً إلى أنّ العمل بروح الفريق الواحد والمكون من المرشد الطلابي، ومعلم الصف، وولي أمر التلميذ، مع معلم صعوبات التعلم يعد أمراً مهما، بالإضافة إلى الأخصائي النفسي للحد من القلق والشعور بالفشل الذي ينتاب الطالب، منوهاً بأنّ القواعد التنظيمية لبرامج التربية الخاصة نصّت على وجود معلم مساعد مع معلم صعوبات التعلم، خصوصاً في ظل تطبيق التدريس الجماعي ورغم ذلك لايوجد معلم مساعد. وأضاف أنّ القواعد التنظيمية لمعاهد وبرامج التربية الخاصة نصت على عدة شروط تتعلق بغرفة مصادر صعوبات التعلم، منها: أن تكون في موقع متوسط سهلة الوصول إليه من قبل التلاميذ، وذات مساحة مناسبة، وتوفير قواطع متحركة وطاولة حرف (U)، وأجهزة وتقنيات تعليمية متنوعة، مشدداً على أنّ الميدان التربوي في حاجة ماسة لإعداد اختبار تشخيصي نمائي مقنن يقيس بكل صدق وثبات الجوانب النمائية، معتبراً أنّها جذر الصعوبة أو المشكلة التي لا يتم اكتشافها إلاّ عن طريق التشخيص السليم؛ لكي يقدم التدخل المناسب، ويبنى على ضوئه البرنامج التربوي الفردي للتلميذ، بالإضافة إلى أهمية توحيد إجراءات عمل ميدان صعوبات التعلم، خصوصاً الاختبارات التشخيصية الأكاديمية. اجتهادات فردية خالد الحمدان واعتبر "خالد بن ناصر الحمدان" –معلم متخصص في صعوبات التعلم– أنّ تطبيق نظام صعوبات التعلم في برنامج "نور" التابع لوزارة التربية والتعليم سيكون أكثر تنظيماً، وسينهي معاناة الأعمال الكتابية التي استمرت طويلاً واستنزفت جهداً كبيراً من الوقت والتركيز، متفائلاً بالنقلة النوعية الإلكترونية في تنظيم العمل وتوحيد الجهود، متوقعاً أنّ برامج صعوبات التعلم ستكون على مستوى عالٍ من الدقة والترتيب؛ مما يولد هوية موحدة للبرامج تحت مظلة برنامج "نور". تعليمهم مع الآخرين تجاهل للفروقات الفردية بين الطلاب وخصائصهم المختلفة وأضاف أنّه منذ نشأت برامج صعوبات التعلم في المملكة أصبحت مجالاً خصباً للاجتهادات الفردية المتفرقة؛ مما أضعف التخصص وآلية العمل فيه، حتى سار وفق أهواء من يملكون مساحة في هرم القيادة، وذلك بعيداً عن الميدان ومن يعملون فيه، مبيناً أنّ آخر الإضافات المخجلة هو التدريس الجماعي لطلاب ذوي صعوبات التعلم، الذي ينافي تماماً مع نوعية التخصص الذي يعتمد على مراعاة الفروقات الفردية بين الطلاب وخصائصهم المختلفة، معتبراً التدريس الجماعي يفقد هوية تخصص صعوبات التعلم وطريقة تقديم الخدمات لطلابه بشكل لا يناسبهم من واقع تجربته وخبرته، مؤكّداً في الوقت ذاته على أهمية دراسة أي فكرة تطويرية دون تسرع.