جاء زلزال يوم السبت الماضي ليوحد مرة أخرى بين شعب كشمير على جانبي الحدود و الذي ظلت الخنادق والأسلاك الشائكة تفصل بينه وتباعد بين أفراد الأسرة الواحدة ليظل يعاني على مدى أكثر من خمسين عاما عندما تنازعت الهند وباكستان السيطرة على ذلك الوادي الواقع في جبال الهيمالايا الذي بهر البعض بجمال طبيعته ليصفه بانه جنة الله في أرضه. غير أن تلك الجنة التي تحولت الآن إلى أنقاض تفوح منها رائحة الموت والخراب مازالت تمثل نقطة توتر شائكة في جنوب أسيا لم تفلح عملية السلام التي شرعت فيها الهند وباكستان منذ أكثر من عشرين شهرا في نزع فتيلها أو منح الأمل لشعبها في أن يأتي اليوم الذي ينعم فيه بالأمن والسلام ويلتئم شمل الأسر المقسمة على جانبي الحدود حيث يقع سبعون في المائة من الوادي تحت السيطرة الهندية وعشرون في المائة تحت السيطرة الباكستانية والعشرة في المائة الباقية تحت السيطرة الصينية. و جاءت مأساة الزلزال لتجذب انظار العالم الخارجي إلى هذا الجزء من العالم الذي ظل يعاني دون أن يعبأ به أحد اللهم سوى عدة قرارات من الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر الاربعينيات من القرن الماضي بعد حرب ضروس بين الدولتين الوليدتين الهند وباكستان تقر بحقه في تقرير المصير غير انها ظلت حتى الآن حبرا على ورق لتخوض الهند وباكستان حربا أخرى في عام 5691 تفشل في تغيير الوضع على الأرض هناك وتزيد فحسب من العداء بين الجارتين ومعاناة الشعب الكشميري. ومع هذا الزلزال المدمر الذي كان مركزه الشطر الباكستاني من كشمير بالقرب من عاصمته مظفر أباد التي تحولت إلى اطلال خاوية مع هروب ما تبقى من سكانها خوفا من تفشي الأوبئة والأمراض نشطت الآمال في أن هذه الكوارث الطبيعية قد تنجح فيما فشلت فيه مناورات ودهاليز السياسة وأن تقنع البلدين المتنافسين بأن يخففا من مواقفهما المتصلبة وان يحاولا الوصول معا إلى منتصف الطريق لوضع نهاية لصراعهما حول هذا الإقليم الذي يكلفهما الكثير وأنه يكفيه ما حل عليه من غضب الطبيعة المدمر. غير أن النوايا الطيبة لا تكفي وحدها لإيجاد حل لهذا الصراع الذي بدأ مع انفصال الهند وباكستان على أسس دينية واستقلالهما عن بريطانيا في عام 7491 بعد أن انضم حاكم كشمير الهندوسي على غير رغبة اغلبية سكان إقليمه من المسلمين إلى الهند ذات الاغلبية الهندوسية لتخوض الجارتان حربين للسيطرة على الإقليم من بين ثلاثة حروب اندلعت بينهما حتى الآن واصبحت احتمالات خوض حرب رابعة بينهما مستحيلة لأنها تعني الفناء لكلتيهما بعد أن دخلتا معا النادي النووي في عام 8991. ويبدو أن حقيقة تعذر إيجاد حل عسكري لصراعهما حول هذا الوادي كانت وراء محاولة الهند وباكستان الأخيرة الجادة في أوائل العام الماضي الدخول في حوار شامل من أجل حل خلافاتهما حول كشمير والقضايا أخرى محل النزاع بينهما على مائدة المفاوضات بعد أن فشلتا في حلها على جبهات القتال. غير انه بعد حوالي عشرين شهرا من بدء هذا الحوار لم تتمكن نيودلهي وإسلام أباد من إحراز أي تقدم ملموس تجاه حل المسألة الكشميرية التي هي جوهر النزاع بينهما على الرغم من أنهما نجحا في اتخاذ العديد من الإجراءات لإعادة بناءالثقة بينهما من خلال الاتفاق على عودة الاتصال بين البلدين عبر فتح المزيد من خطوط المواصلات بينهما وتبادل الزيارات الرسمية والشعبية وهو ما خفف في واقع الأمر من حدة الاحتقان وعدم الثقة اللتين ميزتاالعلاقات بينهماطيلة العقودالخمسة الماضية. وقد حذر المتابعون لتطورات العلاقات الهندية الباكستانية من أن استمرار المناخ الجديد الذي ساد العلاقات بين البلدين الذي نجح إلى حد ما في إذابة المرارة واشاع جوا من التفاول مازال مرهونا بنجاح البلدين في إيجاد حلول خلاقة للخلافات الأساسية بينهما بدءا من كشمير وانتهاء بنزاعهما الإقليمي حول سير كريك الممر المائي في بحر العرب الذي يقال إنه غني بالثروات الطبيعية وان تبادل زيارات الوفود الفنية وفرق الكريكت هي مجرد وسيلة وليست الهدف. ولكن يبدو أن الهند هي الفائزة حتى الآن من الإيقاع الذي تسير عليه عملية السلام بين البلدين حيث تحققت تقريبا مطالبها التي كانت تصر عليها من قبل وفي مقدمتها امتناع باكستان عن تأييد الجماعات المسلحة التي تصفها الهند بالإرهابية التي تشن منذ عام 9891 حرب عصابات ضد قوات الأمن والجيش الهندية المتمركزة في كشمير. وأدى هذا باعتراف الحكومة الهندية إلى انخفاض مستوى العنف في ولاية جامو وكشمير بنسبة تزيد عن الخمسين في المائة خلال العام الجاري مقارنة بما كان الأمر عليه قبل عامين حيث تم تسجيل 5141 حادثاً فقط حتى هذا الوقت من عام 5002 مقابل 1,43 خلال نفس الفترة من عام 3002 في حين قتل 3131 شخصا هذا العام بينهم مدنيون وجنود ومسلحون مقابل 6172 خلال عام 3002 بينما بلغت الحوادث التي وقعت في عام 4002 حوالي 5652 حادثا راح ضحيتها 39,2 شخصا. وأصرت الهند منذ بدء عملية السلام الحالية بين البلدين على ألا تحصل المسألة الكشميرية على أفضلية عن باقي القضايا الأخرى محل الخلاف بين البلدين وأن يجري حل تلك القضايا بالتوازي بدون تفرقة أو اهتمام بقضية دون الأخرى إذ يجب مثلا بحث مسألة التبادل التجاري بين البلدين وتطبيع العلاقات بينهما في الوقت الذي يجري فيه النظر في خلافهما حول كشمير. وقد ادى هذا الأمر الذي لم يكن يرغب فيه الجانب الباكستاني الذي كان يصر على أن يجري حل المشكلة الكشميرية الشائكة أولا ثم البحث في القضايا الأخرى التي من السهل حلها بالتداعي إذا ما جرى حل تلك المشكلة الرئيسية ولكن إسلام أباد تخلت تحت الضغط الهندي عن مطلبها واكتفت بالحصول على وعد من نيودلهي بالسعي بجدية لإيجاد حل عادل للمشكلة الكشميرية وإن كانت الهند قد أصرت في الوقت نفسه على أن أي حل لتلك المشكلة لن يتضمن بأي حال من الأحوال إعادة رسم خريطة كشمير أو تغيير وضعها باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الأراضي الهندية. وعقب الزيارة التي قام بها وزير الشؤون الخارجية الهندي ناتوار سينج لإسلام أباد قبل أيام قليلة من وقوع الزلزال نفي متحدث رسمي هندي تصريحات لوزير باكستاني اشار فيها إلى أن البلدين يبحثان عدة صيغ لايجاد تسوية للمشكلة الكشميرية من بينها فرض سيطرة مشتركة من البلدين على الإقليم أو منحه قدرا من الحكم الذاتي. وأكد المتحدث الهندي على مواقف بلاده الثابتة حيال كشمير التي تعدها جزءا لا يتجزأ من أراضيها وهو الأمر الذي يوكد مدى تباعد مواقف الجانبين حيال تلك القضية الحساسة التي ستظل في نظر العديد من المراقبين نقطة خلاف محورية بين البلدين على الرغم مما تحقق من تقارب و دفء في العلاقات على المستوى الشعبي والإعلامي.