النهوض بالمجتمع ليصبح مجتمعاً معرفياً يتطلب جهوداً كثيرة على مستويات مختلفة، لكن تظل المؤسسات الأكاديمية هي المحور الأساسي للمجتمع المعرفي. يفترض في المؤسسة الأكاديمية وهنا نتحدث عن الجامعات والكليات بتخصصاتها المختلفة أن تكون فعالة في إنتاجيتها العلمية والفكرية البحثية. فالنموذج المثالي لهذه البيئة هي أن تكون بيئة بحثية تعليمية متوازنة، بحيث يترافق البحث العلمي وتنمية منهجية التفكير مع الطرق النمطية لإيصال المعلومة عن طريق المحاضرات والدروس. وحتى يتحقق هذا التوزان، تجد أن للأستاذ المنخرط في المجال الأكاديمي طريقاً بحثياً محدداً ومعروفاً في تخصصه، وله إنتاجية بحثية، وحتى يتحقق له ذلك توفر المؤسسة التعليمية له البيئة المناسبة لتنمية مساره البحثي من خلال الدعم المادي واللوجتسي وتوفير المعامل والأجهزة في حالة التخصصات التطبيقية وتوفير البرامج التحليلية والإحصائية وتسهيل الوصول للقواعد البيانية والمجلات العلمية بدون مقابل و - أيضاً - توفير الخدمات المساعدة مثل توفر المواد الكيميائية بسهولة وسرعة إصلاح الأجهزة وصيانتها في المعامل. البيئة التي تتوفر فيها هذه الخصائص تجد الأستاذ الأكاديمي فيها منتجاً متواصلاً مع أحدث التطورات في تخصصه وأيضاً قادراً على تطوير البحث العلمي والمستوى التعليمي في كليته ولدى طلبته. فالبحث العلمي يغذي المسار التدريسي بالمعلومة الحديثة، وكلما ارتفع سقف البحث العلمي كلما لمس المجتمع جودة المخرجات التعليمية. فوجود الطالب في بيئة علمية محفزة تساهم على الارتقاء بأدائه فيتحول من طالب يستمع بسلبية وعدم اهتمام إلى محاضرة يعتقد أنها رتيبة ويعتمد على الملخصات والمذكرات المعدة مسبقاً إلى شخص شغوف يسعى للبحث عن المعلومة من مصادرها لديه اطلاع على الكتب والمصادر الرئيسية في مجال تخصصه ولديه مهارات بحثية وعلمية تتطور يوماً بعد يوم. الطالب النموذجي هنا يمتلك أداوت المعرفة التي تساعده على نمو شخصيته بحيث يمكنه أن يكون فعالاً ومنتجاً في أي مجال مهني يتخذه. المخرجات الطبيعية في هذه البيئة لن تخرج ملايين العباقرة أو المخترعين أو الفائزين بنوبل فهذا ضد التوزيع الطبيعي الإحصائي المتوقع للمهارات البشرية لكنها ستنتج طالباً مستقلاً فكرياً وليس اعتمادياً وهذه الخطوة الأولى نحو بناء مجتمع واعٍ، مجتمع قادر على التعامل مع الطفرة المعرفية التي يعيشها العالم بأجمعه.