حين تقترن الروايات بشخصية من الشخصيات المشهورة تُصبح عملية نقدها أو تصحيح بعض المغالطات فيها عمليةً بالغة الصعوبة لأكثر من سبب، الأول أن استقرار ورسوخ المعلومات الخاطئة والأوهام في عقول الناس يجعلها بمثابة الحقائق التي لا تقبل الجدل مع مرور الزمن، والسبب الآخر هو حاجة مثل تلك الروايات لناقد خبير وشجاع يمتلك المهارة والجرأة لتحريك ما استقر في أذهان الناس ويمتلك الصبر لمواجهة ردود الأفعال التي يُتوقع ألاّ تتقبَّل مثل هذا النقد بسهولة. في التراث العربي تقابلنا العديد من الحكايات والأشعار التي ما زال بعضنا يتعامل معها ببراءة ويحفظها ويرويها بالرغم من تنبيه الباحثين لمواطن الخلل فيها، فعلى سبيل المثال نشر الدكتور عبدالله بن سليم الرشيد عددًا من الدراسات تحت عنوان (تحقيق مرويات أدبية) نفى فيها بالأدلة صحة مجموعة من الروايات الشائعة كقصة علي بن الجهم مع المتوكل والأبيات المنسوبة إليه التي يقول مطلعها: "أنت كالكلب في حفاظك للود". وقصيدة "صوت صفير البلبلِ" للأصمعي التي نفى صحة نسبتها استنادًا لمجموعة من الأدلة الصريحة، ومع ذلك ما زال هناك من يتمسك بقوة بمثل هذه المرويات دون التفات إلى مسألة صحتها من عدمه..! لا يختلف الأمر كثيرًا في تعاملنا مع التراث الشعبي، فكلما ارتبطت الرواية بشخصية أحد الأعلام زادت صعوبة تخليص سيرته منها، وقد أشار عدد من الباحثين لنماذج من تلك المرويات. يقول الدكتور سعد الصويان في سياق حديثه عن الشاعر رميزان بن غشام: "رميزان شخصية تاريخية لا أحد يشك في وجودها التاريخي. إلا أن ما يلف هذا الوجود التاريخي من غموض وشح في المعلومات مكن الرواية الشفهية من أن تُحيل رميزان إلى شخصية تحاك حولها الأساطير والحكايات التي يصعب تصديقها. من هذه الحكايات، إضافة إلى خدعته لأخيه رشيدان، قصته مع الشريف زيد التي تدل على قوة الذاكرة وحضور البديهة". وحكاية رميزان مع الشريف التي يُشير لها الصويان وترد في أكثر من مصدر تكاد تكون صدىً واضحًا لقصة أبي العلاء المعري مع أبي نصر المنازي، ونحن إذ لا نستغرب ورودها في كتاب مثل (أساطير شعبية) للشيخ عبدالكريم الجهيمان الذي يعترف بأنه لا يكتب تاريخ أو حقائق بل أساطير "هي إلى الخيال أقرب منها إلى الحقيقة"، فإننا نستغرب ورود مثل هذه الروايات في بعض المصادر المعروفة دون تعليق أو تنبيه، والاستمرار في روايتها إلى يومنا هذا عند الحديث عن سيرة الشاعر. وأسلوب إلباس بعض قصص ونوادر التراث العربي لباساً شعبيًا لتتناسب مع المتلقي الشعبي أسلوب نقابله في العديد من المرويات الشعبية، فعلى سبيل المثال فإن قصة حميدان الشويعر، التي يُشير إليها الأستاذ محمد الحمدان في (ديوان حميدان الشويعر)، وترد فيها عبارة: "كل يا ردني[كُمي]" على لسان الشويعر، ما هي إلا صياغة جديدة لإحدى نوادر جحا مع قليلٍ من التحوير، فجحا يُعبر عن سخطه وسخريته من مُضيفه الذي اهتم بلباسه أكثر من اهتمامه بشخصه بوضع طرف رداءه في الصحن ومُخاطبته قائلاً: "كُل يا ردائي...". وفي سيرة حميدان الشويعر وأشعاره الكثير مما "لا يمكن أن نأخذه كله مأخذ الحقيقة ولا أن نصدقه كله" كما قرر ذلك الشيخ عبدالله بن خميس رحمه الله.