كنت قد تساءلت قبل أسبوعين عن غياب الندوات المتعلقة بالثقافة الشعبية عن مهرجان الجنادرية في السنوات الأخيرة رغم أنها أحد أهداف المهرجان، وما لبثت أن اطلعت على البرنامج الثقافي لمعرض الرياض الدولي للكتاب الذي سيقام خلال الأيام القادمة حيث أعلن عن ندوة "الفنون والثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية" التي ستعقد في اليوم السادس للمعرض ويتحدث فيها ليلي البسام وسعد الصويان وعبدالله الجار الله ومن قناة الصحراء ( حجاب العقيلي ) ويديرها مطلق البلوي ومنال شطا. لقد أسعدني هذا الاهتمام بالثقافة التقليدية من القائمين على معرض الكتاب، ولعله اعترافاً بكون هذه الثقافة جزء لا يتجزأ من الجسد الثقافي السعودي في حين ما زال ثلة من المثقفين ينظرون لهذه الثقافة نظرة دونية لا تنسجم مع الاعتزاز بالهوية الوطنية، بل إن هناك من يعتبرها سوأة يجب سترها!! يردد أحدهم أحاديث برنارد شو ويخجل من أشعار حميدان الشويعر !! يقتني التحف الأوروبية وينفر من النجر والمحماس!!يعجب ببودلير ولوركا ويحتقر الهزاني وابن لعبون والعطاوي!! يستشهد بأمثال الهند والصين واسكتلندا ولا يلتفت للأمثال الشعبية في بلاده!! يتحدث عن أساطير الأغريق ولا يعرف عن أساطير الجهيمان مثقال ذرة!! يرقص على موسيقى الروك آند رول ويزعجه صوت الربابة!! يلبس الجينز ويستثقل لباس الشماغ!! حسناً ..إن في الخصوصية تميزاً..فكل شعب له موروثه الخاص.. وثقافته الخاصة..التي تتشكل منها هويته الخاصة..وتتسم المملكة العربية السعودية بتنوع ثقافتها التقليدية وشموليتها فهي أشبه بالفسيفساء التي تبهر الأنثروبولوجيين خصوصاً ودارسي العلوم الانسانية عموماً، واستغرب انصراف المثقفين عن استلهام هذا الموروث الغني وتكريسه في إبداعاتهم!! فحرصهم المتناهي على استلهام إلياذة هوميروس أو التعلق بكعب أخيل أو ركوب حصان طروادة يجعل القارئ يظن أنه يقرأ لأحد اليونان أو الرومان!!في حين تجد أن الكاتب نشأ وعاش في إحدى القرى الصغيرة في أطراف المملكة المترامية!! إن رواية الحزام لأحمد دهمان مثلاً نجحت بسبب استغراقها في المحلية وكذلك هناك روايات أخرى على نفس المنوال، فهناك مبدعون اعتبروا ثقافتنا المحلية كنزا لا يقدر بثمن فاستخرجوا منها الدرر والجواهر وصاغوها في قالب إبداعي حديث وقدموها إلى القارئ على طبق من ذهب؛ فلهم منا كل التقدير . الحقيقة لا أعلم شيئاً عن محاور الندوة المصاحبة لمعرض الكتاب ولكني في يقين أنها ستكون في غاية الأهمية خاصة وأن أحد أقطابها رئيس تحرير موسوعة الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية الدكتور سعد الصويان، وكذلك الدكتورة ليلى البسام التي لمع اسمها في دراسة الملابس التقليدية وغيرها، وأما الأستاذ الجارالله فقد تولى مسؤوليات رسمية مرتبطة بالتراث الشعبي سنوات طويلة، وكلي أمل أن تتناول هذه الندوة محور مهم ظهر في السنوات الأخيرة وهو (أثر القنوات الفضائية الشعبية على الفنون والثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية ) بحضور السيد حجاب، ولعل هذه الندوة تكون فألاً حسناً لندوات قادمة في مهرجان الجنادرية