نبكي على الدنيا وما من معشرٍ جمعتهم الدنيا ولم يتفرقوا أن يكون لك مال، وتخصص جزءا كبيرا منه للاستعمال الأخلاقي، لمساعدة المحتاجين، وإغاثة المنكوبين والمأزومين، ومعونة الضعفاء والعاجزين، وترجمة دورك في المسؤولية الاجتماعية، فهذه لا شك منّة من الله خصّ بها ذوي الحظوظ العظيمة، أما أن تكون بلا مال، سوى ما يستر الحال، ومع هذا تستطيع أن تجعل كتفك بأكتاف الأثرياء والموسرين في فعل الخير، وفي الأعمال الإنسانية، فتضاهيهم بطيّب أعمالك مما يعلمه الناس، ومما لا يعلم عنه إلا مَن شاطرته بوح نفسك من أصدقائك، فهذا ما يستحق أن ينبض من أجله الحرف، وترتفع له الأكف دعاءً وابتهالا للمولى الكريم في يوم رحيلك عن هذه الدنيا بأن يُجزل لك المكافأة عفوا وغفرانا. وهذا (الأخير) هو الموجز الأبرز لسيرة ومسيرة حياة رجلٍ اسمه محمد السالم الراجح تغمده الله بواسع رحمته، أنا أعرف بعضها، وربما يعرف غيري ما هو أسطع وألمع من المواقف التي تكشف عن معدنٍ عزّ وجوده بين الناس، ونفسٍ ما فكرت في (سالم) وشقيقاته قدر ما فكرت في أزمة مبدع، أو محنة محتاج، أو أسى مريض . كنتُ له قلما ليس أكثر في بعض تلك الحالات، رغم أنه ما كان بحاجة إلى قلمي، لكنه كان كثيرا ما يرشوني بثناء أعرف أني لا أستحقه للانصياع لمطالبه واصفا قلمه بأنه قد يبدو أحيانا أحدّ من حافة سكين، وهو الذي سخّر حياته كلها للمطالبات فيما يخص خدمات مدينته التي أحبها، وتبادل معها السكنى، حتى باتت تسكنه ويسكنها، وأظنه ظنا بغير إثم إن شاء الله أنه ساهرها حتى في أحلام يقظته، حين يهرب الآخرون بتلك الأحلام وملذاتها الخلّبية من نكد الدنيا وغلوائها إلى أوهام ما قبل المنام، ليغفو ويُفيق على ما يعتقد أنه سيجلب البسمة لهذه المدينة التي تسند ظهرها إلى سفح أجا، وتتطلع لمواعيد الشمس المشرقة. لا أعرف أنه انعقد له جبين في أمرٍ ما، حتى ولا في تلك اللحظات التي كان يُصارع فيها أعتى أوجاعه، ما لم يكن الأمر يتصل بشيء يمس خدمات مدينته، قال له أحد الأصدقاء ذات مرّة : يا محمد لا تتآكل أعصابك كلها في قضايا الشأن العام، ، وكان يعرف أنه يستفزه، احتفظْ بقليل منها لحساب صحتك فقضايا الشأن العام أطول من ليل الشتاء، فضفّ أوراقه وانسحب، قال بعدها : كدتُ أن أضربه بتلك الأوراق، وأخسر صداقته لولا لطف الله. رحم الله قلبا ما ضخ غير دم الوفاء، وما نبض إلا بالإخلاص والصدق في كل محطة من محطات حياته المكتظة بالإيثار. هو صديقي .. نعم صديقي، لكنه ليس صديقي وحدي فهو شركة صداقات عملاقة اتسعتْ على مدى مساحة الوطن، وظلت توطد علاقاتها بكل شركائها الغني منهم والفقير، الكبير والصغير، وعلى قدم المساواة، وليس أمامي وأنا أودعه مع هذه الجموع سوى أن أتمنى على أمانة منطقة حائل أن تتكرم بإطلاق اسمه على أحد شوارع المدينة، وهو أكثر من أقلقته تلك الشوارع وخدماتها، وأكثر من بُح صوته من أجل هذه المنطقة وأهلها، لذلك ليس أقلّ من أن نكرّم القيمة الإنسانية التي زرعها هذا الرجل الذي توارى ولن تتوارى ذكراه، بمواقفه وأعماله عندما أعطى من روحه ونفسه لوطنه وبلده وأهلها، والجود بالنفس أسمى غاية الجود . أبو سالم : هل نال منك المرض ؟ أنا لا أظن ذلك، ما نال منك يا صديقي هو همّتك العالية التي لم تتحملها إمكانات جسدك.. رحمك الله رحمة ً واسعة، وجمعنا بك في الصالحين.