العمل التطوعي، مسألةٌ غائبة تماماً عن المجتمع الثقافي العربي. نرجسية المثقف، وانشغاله ب "خلاصه الفردي"، على الأغلب هو ما يمنع من تخصيص حصة زهيدة من وقت هذا الكاتب أو ذاك، لدعم أو خلق مشروع ثقافي اجتماعي تطوعي، هنا أو هناك. ففي الوقت الذي نلاحظ تطور العمل التطوعي في مجالات الحياة المختلفة، يبقى الوسط الثقافي الأبعد عن أي جهد مثمر يصب في مصلحة المجتمع. لنأخذ مثلاً مشكلة انهيار منسوب القراءة في الوطن العربي، ما الذي قدمه الكتاب العرب "تطوعياً" للتوعية بأهمية القراءة بالنسبة لوعي وتطور الشعوب. لا شيء يستحق الذكر. لم نسمع بأدباء وكتاب قادوا حملة للقراءة أو أخرى لترويج الكتاب؛صحيح أن مسألة القراءة، ترتبط بالدرجة الأولى، بتقصير المؤسسات الثقافية الحكومية العربية، فيما يخص وضع خطط استراتيجية لتشجيع نشر ثقافة القراءة، وهو ما لم توله أغلب المؤسسات الحكومية ذلك الاهتمام اللازم، خصوصاً وإن مشكلة كبرى كمشكلة الأمية، لم تحل حتى اليوم، مقارنة مع العالم الغربي الذي تخطاها منذ عقود طويلة. حيث كشفت إحصائيات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) أن نسبة الأمية في مجمل الوطن العربي في سنة 2014، بلغت حوالي 19% من إجماليّ السكان،وبلغ عدد الأميين نحو 96 مليون نسمة. دون أن ننسى تأثير ما اسميناه سابقاً بالأمية التكنولوجية المقنعة، حيث أثر الإقبال الشديد على شبكات التواصل والقراءة السريعة من الأجهزة اللوحية على قراءة الكتب، في عالم عربي، يشكو أصلاً من تدني مستوى القراءة. إذ أشار تقرير نشرته مؤسسة الفكر العربية في دورتها العاشرة، بأن الفرد العربي لا تتجاوز مدة قراءته ل "6"دقائق سنوياً، مقارنة مع متوسط القراءة عند الفرد الأوربي وهي "200" ساعة في السنة. فأين هو موقع الكاتب والمهتم بالقراءة والكتاب، عند قراءة هكذا احصاءات مخيفة، هل نلقي اللوم على الحكومات، منذ مرحلة ما بعد الاستعمار، أم أن دور ومسؤولية المثقف، تُوْجِبُ أن يسّخر جل امكانياته لدعم واحدة من القضايا الأكثر تأثيراً في نهوض الثقافة وهي القراءة. لقد أصبح من الممل الحديث عن دور المثقف، بشكل فضفاض، علماً أن ثمة أدواراً عديدة لكل منتمٍ للمجال الثقافي أن يقوم بها، كتنظيم الأمسيات والدعوة لنشر الكتب وتبادلها.. الخ، وهي أمور لم تخلُ الساحة الثقافية منها، لكن لم تصل حد الوعي بمسألة العمل التطوعي مؤسسياً وجماعياً داخل الحياة الثقافية. نتذكر جيداً على المستوى الفردي العديد من الأشخاص الذين خصصوا أوقاتاً عزيزة لديهم، لدعم القراءة، وإحياء الأمسيات الأدبية، لكن التجربة لم تتبلور مؤسسياً كما ينبغي، باستثناء، تجارب قليلة، كتجربة، (تاء الشباب) في مملكة البحرين، حيث نزل الشباب والفتيات إلى المجتمعات التجارية، وعرضوا كتباً مجانية، وأقاموا أمسيات أدبية استضافوا نجوم الفكر والأدب الخليجية والعربي أيضاً، إلى لقاء القراء الهواة ودخول الأدب، وذلك بدعم من وزارة الثقافة البحرينية. في الوقت الذي نرى العديد من الكتاب والكاتبات منشغلين "ببزنزة الثقافة" والاسترزاق عبر الأدب من خلال إقامة دورات ربحية في كتابة الرواية وحتى قصيدة النثر!، بدل أن تكون هكذا دورات تطوعية، تقدم للمواهب الحقيقية وليس لكل متمكن من الدفع والحضور. من هنا نؤكد ضرورة إحياء ثقافة العمل التطوعي الثقافي عبر مؤسسات المجتمع المدني، بوجود شخصيات ثقافية وأدبية مرموقة اجتماعياً، لدعم النهوض الثقافي، وهو ما يتطلب أخيراً، بأن يراجع المثقف طبيعة حضوره في المشهد، وأن يتذكر أن تغيير المجتمعات تحت مسمى العمل التطوعي أو الفكري، هو القضية الأهم، مهما انشغل المثقف أو الكاتب بمشروعة الشخصي، لا بد أن يتذكر تلك العبارة التي أطلقها كارل ماركس في القرن التاسع عشر، لكنها حقاً تستحق التأمل؛ يقول صاحب كتاب رأس المال: " ليس على الفلاسفة أن يفسروا العالم وإنما يغيروه".