قرأت في صحيفة (الرياض) 13609 في يوم الثلاثاء3 2 من شعبان 1426 في صفحة الاقتصاد موضوعا بعنوان خبراء ينتقدون هيئة السوق، وكان المتحدث الدكتور عبد الرحمن الحميد أستاذ المحاسبة المعروف والدكتور احسان أبو حليقة أستاذ إدارة نظم المعلومات والذي كانت لديه بحوث حول برامج السعودة . المهم أن الحوار أو التركيز كان على موضوع معوقات طرح الشركات للاكتتاب العام، وان طرح الشركات العائلية للاكتتاب العام يخدم الاقتصاد الوطني لما ينطوي تحت عباءته من برامج امتصاص السيولة الفائضة من أيدي الناس المفترض في أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون بأموالهم الزائدة عن الحاجة. وأنا لا أريد أن انهي طرح اعتراضي على هذا النهج بالقول بأن الاجابه على ما يفعل بالزيادة في المال موجودة في القرآن الكريم. أما من الناحية التحليلية فان موضوع الأسهم بصفة عامة يندرج تحت عنوان الاستثمار . وعندما نتحدث عن الاستثمار في الأسهم، فإننا نتحدث عن فلسفة رأس المال. ويجب ألا يخطر على بالنا أن رأس المال له علاقة بالنظام الرأسمالي، ذلك أن الكثير يختلط عليه الأمر فيعتقد أن ورود ألفاظ من هذا القبيل يلتصق بالنظام الاقتصادي هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يجب أن نفرق بين موضوعنا هذا الملتصق بالباحثين عن فرص ربحية من خلال المساهمات وبين موضوع هجرة رؤوس الأموال ومسبباتها. وعدم قدرة مناخ معين على جذب الاستثمارات بشكل ناجح. وبالعودة إلى موضوع الاستثمار في الأسهم نجد أن هناك ثلاثة عناصر تشترك في أمره : الأول : الأسباب المؤدية إلى نشوء الحاجة لرأس المال، ثم ثانيا - الأرباح المتحققة من تغير قيمة السهم وثالثا - النقد المرتبط بالمساهمة. ولكي اطرح الموضوع بشكل تبسيطي لغير المتخصصين فاشرح العناصر المذكورة أعلاه على النحو التالي: 1 - نشوء الحاجة إلى رأس المال : كلنا متفق على أن رأس المال هو المحرك الأول كأحد عناصر الإنتاج . إلا أن واقع السوق الخليجية لا يخرج عن الحالات التالية : 1 -1 إنشاء شركات جديدة برأسمال جديد. 2-1 بيع جزء من رأسمال شركة قائمة . 3 -1 رفع رأسمال شركة قائمة بالطرح في الاكتتاب العام. الحالة الأولى : إنشاء الشركات الجديدة : وقد يكون هذا النوع من الدعوة للاستثمار من أفضلها، إلا أن المأخذ على أسواق الخليج الاستثمارية هو أن معظم الشركات الجديدة ليست إلا امتدادا لأنشطة قائمة. والحديث يطول في هذا المقام إلا أن المحصلة الأخيرة والنتيجة النهائية هي لن تتحقق أي إضافات ذات قيمة . وما يبرهن على هذا الطرح ما نلمسه من واقع دول الخليج، فبالرغم من الاستقطابات ووسائلها في بعض دول الخليج فهي تعاني من نفس المشكلات التي سبق أن شخصها خبراء اقتصادياتهم والمتمثلة في البطالة، الفقر والدين العام . وقد حضرت ندوة الدكتور احسان أبو حليقة عن السعودة الذي لخص أن المشكلة تتفاقم وتحتاج إلى عناية مركزة . إذا ما هي الفائدة المرجوة من امتصاص السيولة المفقودة. الحالة الثانية: بيع جزء من رأسمال شركة قائمة: بغض النظر عما ينطوي عليه هذا النوع من الاكتتاب من إجحاف في حق المساهمين الجدد وإدرار منافع مالية كبيرة على الملاك الأصليين قد تتجاوز أصل استثماراتهم، وذلك بإصدار ما يعرف بعلاوة الإصدار وتقييم أصول غير ملموسة مما يتمثل مستقبلا في هوة كبيرة بين القيمة الدفترية للسهم والقيمة السوقية له وبين ما حصل، وان ارتفاع قيم الأسهم غير المبرر لا يجب أن يكون حجة لتبرير واقع غير سليم، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى : لو تتبعنا حركة النقد في هذه الحالة سنجدها سوف تنتهي بإيداعات بنكية على راجح الرأي أن سوف تستثمر بمعرفة البنك. ولو ذهبنا أكثر لتعقب البنك ومصير الايداعات لوجدنا العجب العجاب . وسبق أن ألقيت كلمة أمام خادم الحرمين الشريفين يومها كان وليا للعهد تطرقت لتقصير البنوك المتعمد في هذا الشأن وقد بثت هذه الكلمة على شاشات التلفاز. ولو رجعنا إلى الصفحة 39 في صحيفة الرياض ليوم الاثنين 22 شعبان 1426 لوجدنا خبرا يفيد قيام البنك العربي بإطلاق حملة تسويقية لتلبية احتياجات عملائه في مجال التمويل حيث يهدف برنامجهم إلى تمكين العميل من شراء سلع بهدف بيعها للحصول على سيولة، ثم يسدد على أقساط ميسرة حسب ادعاء البنك . ويقول البنك ان اكبر المستفيدين من هذا البرامج هم موظفو الحكومة وموظفو القطاع الخاص والمتقاعدون، وكأنه يستبعد اؤلئك أصحاب الدخول غير المنتظمة وكثيرا من فئات المجتمع حرصا على استقطاع حقه أولا بأول . وهذا دليل واضح على أن فرضية الدكتور الحميد على أن سيولة في يد الناس يحتاج إلى أعادة نظر. أما إقبال المساهمين ووقوفهم في طوابير طويلة دليل على احتياجهم لإضافة أي مبلغ إلى دخلهم، وليس دليلا على أن لديهم أموالا فائضة. الحالة الثالثة: وهي من اخطر أنواع أطروحات الاكتتاب، حيث تنطوي في حالات كثيرة على غش وخداع المستثمرين خصوصا صغار المساهمين. ورغم أن النظام الجديد للمساهمات العقارية قد تضمن مادة يفرض على طارح المساهمة ملكيتهم لربع قيمة المشروع . وتكمن خطورة هذا الصنف في أن المساهمين يتحولون إلى مقرضين . وهذه فلسفة رأس المال وكيف يمكن أن تستغل هذه الفلسفة لخداع المستثمر البسيط. ومن هذا المنطلق نجد أن طرح مثل هذه المساهمات تؤدي إلى أن من لا عنده يقرض من عنده (انعكاس تام للمفاهيم). العنصر الثاني : التغير في قيمة السهم: من الطبيعي جدا أن قد يتحقق لمساهم بعض الإرباح من جراء شرائه لأسهم معينه. وبعيدا عن لعبة السوق التي يعرفها الكثير من المتعاملين في الأسهم، فان الحقيقة منحبسة في دائرة مغلقة يدور في فلكها السهم . وهذه الدائرة معروفة في كتب الاستثمار، وتتلخص في أن السهم يطرح ثم يكتتب فيه، ثم ترتفع الأسعار ويزيد الطلب فيعرض السهم للبيع، ثم تهدأ الأمور، وبعدها تتجه أسعار الأسهم في الانخفاض، فيبدأ الطلب، ويشترى السهم حتى تصل إلى مرحلة زيادة الطلب فتبدأ الأسعار في الارتفاع ويبدأ عرض السهم للبيع وهكذا، سلسلة ليس لها نهاية . إلا أن ما أريد ان اسأل عنه . هو من الذي كسب ومن الذي خسر؟؟؟ ذلك أن ربح شخص يمكن أن يدخل في النجاحات الفردية ولا يمكن أن يعول عليها كنجاح امة، بالإضافة إلى أن هناك حقيقتين وهما: أن حجم النقد لم يتغير(الناتج)، كما أن إنتاجية الشركة لن تتأثر بهذه التعاملات وقد تكون محققة لخسائر كما أشار الدكتور الحميد. إذا كل الذي حدث هو حبس إضافي لهذا المال في دائرة لا طائلة من ورائها. وان منظر المتكدسين أمام شاشات الحاسوب مترقبين حركة الأسهم هبوطا وارتفاعا لهو أمر مثير للشفقة وانه اهدار للوقت وإدخال المال في مجال التكنيز، هذا من وجهة نظري. العنصر الثالث : النقد : لا شك أن شراء الأسهم والاكتتاب بها ينشأ من خلال دفع المساهم قيمة السهم نقدا أو بالقيد على الحساب وهما سيان. وهذا العنصر فقط الذي يمكن قياس حجم السيولة التي تم تغيير مسارها ولا أوافق على تعبير تم سحبها أو امتصاصها . ذلك أن إجمالي قيمة المحصل في أيام الاكتتاب لم يؤخذ من قاصر ويعطى إلى رشيد، ولم يؤخذ من جاهل ويعطى لعالم، وإنما اخذ ممن هو في أمس الحاجه إليه إلى من هو في غنى عنه . وليفهم بشكل واقعي، فان المؤسسين في الشركات المساهمة، هم من يملكون حق التصويت المؤثر في قرارات الشركة وهم من يديرونها بالشكل الذي يخدم مصلحتهم، بحجة ان لهم نصيب الاسد في أسهم الشركة . وبالتالي فان جميع إيداعات المساهمين سوف تكون تحت تصرفهم بشكل أو بآخر بعيدا عن الضوابط التي تضعها الأنظمة واللوائح . وعلى هذا الأساس ليس هناك امتصاص حقيقي للنقد وانما هناك تغير في من يملك قرار المضاربة به. وفي المحصلة النهائية ينتهي المطاف بان يوكل هذا القرار إلى بنك معين . والذي حسب ما توضحه تقارير البنوك سينتهي المطاف بهذا النقد كإيداعات في بنوك خارجية لحجة أن هذه سياسات بنكية، لم تكن يوما إلا وبالا على اقتصاديات الوطن. ويمكن لمن يريد أن يبحث إن يرجع إلى برامج الخطط الخمسية على مدار عشرات السنين الماضية . ولان هذا الموضوع طويل جدا ويصعب لملمته بسهولة فاني أردت أن أوضح بما تقدم من توضيحات إني لا اتفق مع أخي الدكتور عبد الرحمن في أن الإكثار من طرح المساهمات سوف يحقق عوائد تنموية أو مصالح اجتماعية، وقد يحقق مصالح شخصية للبعض، خصوصا اولئك المولعين بنظرية الاحتكار والذي نتلمس بوادره في قطاعات صناعية مختلفة. وان وجهة نظري بان طرح المساهمات على الأسلوب الحالي لهو خطوة في الاتجاه الخطأ . وإنها سوف تجلب الكثير من الويلات في المستقبل غير البعيد، إذا استمرت على البرامج على نفس الوتيرة. وان عامة المواطنين في حاجة إلى تثقيف وتعريف بالعوامل المؤثرة في هذا الخصوص اكبر من احتياجهم إلى برامج تنمية مهارات التعامل مع الشاشات والمضاربات في الأسهم. وأود أن اختم بهذه القصة القصيرة، حيث ان قرية امريكية قائمة على سكانها من ناحية جميع الأعمال التجارية، إلى أن قررت احدى الشركات الكبيرة فتح فرع بها في هذه القرية، ورغم المعارضات إلا انه تم الافتتاح، وكانت هذه الشركة تتميز بخلق لا بأس به، فقررت توظيف أصحاب المحلات الذين لم يعودوا قادرين على المنافسة، وبعد خمس سنوات من الخسائر المتلاحقة قررت الشركة أقفال هذا الفرع، وبعد الإقفال أصبح معظم أهل القرية دون عمل ودون محلات ولم يكن أمامهم إلا النزوح إلى المدن المجاورة. وأسدل بذلك الستار على القرية. ٭ محاسب قانوني ومستشار اداري استشاري نظم أامن معلومات