للروائح تأثير لا يخفى على مزاج الانسان وحالته النفسية.. والطيب، من الأشياء القليلة التي حببت لنبينا الكريم وقال بعض العلماء ليس في شرائها إسراف.. وأدمغتنا تفسر جميع الأنواع برفقة مشاعر وذكريات قديمة مبهجة أو محزنة. لهذا السبب حين نشم رائحة معينة نتذكر على الفور مواقف مرادفة وذكريات سابقة وندخل فورا في مزاج جديد. وهنا روائح ليس بالضرورة عطرية تؤثر في أدمغتنا ومشاعرنا بطريقة عصبية غامضة.. أذكر أنني دخلت في الهند (صيدلية عطرية) متخصصة في علاج المشاكل الصحية والنفسية كالأرق والتوتر والاكتئاب.. بل وحتى لوعة الحب والاشتياق.. وحين اشتكيت للصيدلي مشكلتي مع الأرق منحني عطرا هادئا نصحني ببخه على الوسادة قبل النوم. ورغم أنني لم أصدق حينها هذا الادعاء اشتريت العطر وأصبحت رائحته اليوم ترتبط لدي بحالة النعاس والنوم (ذهنيا على الأقل). أيضا سبق أن دخلت في مدينة نيس الفرنسية معرضا خاصا بالروائح العطرية القديمة التي كانت سائدة في فرنسا وعموم أوروبا.. كان بعضها يعود الى عهد الملكية وزمن نابليون، في حين يعود بعضها الآخر لزمن الرومان والقرون الوسطى.. وحسب ما فهمت بدأت فكرة المعرض حين طالب خبير عطورات مسن بالحفاظ على روائح جميلة كانت سائدة في طفولته.. ولأن الفكرة راقت لنقابة العطارين في المدينة ساهموا معه في إحياء الروائح القديمة من خلال تقديم مخطوطات ووصفات وتراكيب ورثوها جيلا بعد جيل (وكان الأمر أشبة بإعادة الحيوانات المنقرضة للحياة من خلال تقنية الاستنساخ). أما في أديلايد بأستراليا فبنى شخص يدعى ريتشارد جو متحفا خاصا بالروائح يتضمن أكثر من مئتي رائحة مختلفة.. وبعكس متحف نيس يتضمن هذا المتحف حتى الروائح العفنة وغير المستحبة مثل غاز الكبريت، وبول القطط، والجثث المتحللة، والبيض الفاسد من خلال كمامة يضعها الزائر على أنفه ثم يضغط زر الرائحة المطلوبة! وحين زرت اليابان عام 2013 أدركت أن اليابانيين نقلوا الفكرة برمتها الى ساحة الانتاج الموسع.. فهناك مئات الروائح التي يتم تسويقها هناك لحل مشاكل نفسية وجسدية غير متوقعة.. فهناك مثلا عقار لمكافحة السمنة وإزالة الشحوم يعتمد على "شم" رائحة تحفز الدماغ على إحراق الدهون وتخفيض الوزن.. وهو من انتاج مختبرات شركة شيسيديو التي تسيطر على 80% من أسواق التجميل في اليابان وتدعي أنه يعتمد على وجود روائح تطلق مادة النوراديرنالين في الدم. وهذه المادة معروفة بقدرتها على تفكيك الخلايا الدهنية ويتم إفرازها حين يُستثار الجهاز العصبي في الانسان (ولكن حسب معلوماتي المتواضعة يمكن أيضا حث هذه المادة على الانطلاق من خلال استنشاق روائح مثل قشر البرتقال، والفلفل الأخضر، والجريب فروت؛ وبالتالي قد لايجد البدين حاجة لشراء العقار من اليابان)! واليوم تستعمل اغلب المؤسسات اليابانية جهازا ينشر روائح مختلفة يتراوح تأثيرها على الموظفين بين بث النشاط والحيوية، إلى الهدوء والروية.. واختراع كهذا يترك للمدير خيارات واسعة لنشر العطر المناسب لطبيعة العمل. تخيل فقط بث رائحة تبقي موظفينا فوق كراسيهم أو تمنعهم من أخذ غفوة قصيرة تحت الشماغ!!