هناك أناس عندما تسمع بموتهم تدعو لهم بالرحمة ثم لا تلبث أن تنشغل بحياتك وأمورك فيصبح الخبر مجرد ذكرى تمر سريعاً، وهناك آخرون يشعرك مجرد فقدهم بقشعريرة تشمل جسدك كله ولا تتركه إلا بعد فترة من الزمن. أبو عبدالمجيد الأديب الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله العبدالكريم هو من هذا الصنف الثاني من الناس، فقد كان -رحمه الله- باراً ببلدته شقراء، وابناً صالحاً حمل قضاياها وهمومها على كتفيه طوال حياته، وما زال منظره وهو يلبس المشلح ليطوف على مكاتب الوزراء ماثلاً في الذاكرة، وفي يده مطالبات من أهالي محافظته، أو أوراق تحمل مناشدات بفتح أفرع للهيئات الرسمية في شقراء لتوفير الوقت والجهد على أهالي المنطقة الذين كان يرى في عمله هذا نوعاً من رد الجميل لهم. عرفنا أبا عبدالمجيد كما عرفته المملكة بمدنها المختلفة أديباً وشاعراً ومعلماً، وعاصرناه وهو يتدرج في مناصبه من مدرس إلى مستشار على المرتبة الخامسة عشرة بالديوان الملكي، وشهدناه وهو يتقاعد في عام 1418ه ليتفرغ لمشواره الخدمي الذي بدأه منذ سنوات طويلة، وبدلاً من الخلود إلى الراحة كعادة الكثيرين رأيناه يشمر ساعده ليتابع مشاريع شقراء وكافة البلدان التابعة لها، ويعكف على دراسة ما يمكنه من المساهمة في إنجاز تلك المشاريع، وتحقيق الرفاه لمواطني مدينته، والسعي بكل ما يستطيعه من جهد إلى أن ترى تلك المشاريع النور بأقرب وقت، غير عابئ بما يكلفه ذلك من جهد وهو الرجل المسن الذي تعدى الثمانين من عمره. لم يكن ابو عبدالمجيد -رحمه الله- سوى مشروع متنقل للخير، يحلم بمكانة متميزة لمدينته التي ولد ونشأ بها، والتحق بأول مدرسة نظامية فيها، التي أمر بافتتاحها الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- في 1359ه كما نال من خلالها الشهادة الابتدائية وعين معلماً فيها ومديرا لها. وطوال مشوار حياته ظل -رحمه الله- يكتب المطالبات التي يحتاجها أهل شقراء تارة شعرا وتارة نثرا، ويذهب بنفسه أيضاً لتسليمها إلى الوزراء والجهات المعنية، ويحاضر في المحافل المختلفة مناشداً ومطالباً بأن تكون لشقراء مكانتها اللائقة بها من حيث الخدمات والرعاية، ومعرفاً بتاريخها ومؤازرتها للدولة عبر العصور ومستشهدا بما تحويه من كنوز اثرية ومعالم سياحية وطبيعة خلابة جعلت منها مقصدا سياحيا وتحقق الكثير من تلك المطالبات على يديه -رحمه الله. لأجل ذلك كله بادلته شقراء حباً بحب وكرّمه أهلها على صنيعه عام 1427ه وأصدروا كتاباً عنه حتى تعرف الأجيال المقبلة قدر هذا الرجل الذي كان يؤمن بأن بلده تستحق الأفضل دائماً، وأن مهمته في الحياة أن يكون أحد الذين يشاركون في مجدها ورفعتها بالفعل لا بالقول.. وختاما أناشد سمو أمير منطقة الرياض بتوجيه من يلزم لتسمية أحد الطرق أو الميادين باسمه لقاء ما فعله لأهل مدينته وبحثه دائماً عن مواطن الخير.. رحم الله أبا عبدالمجيد وأسكنه الفردوس الأعلى وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.