التحكيم مهنة حرة شريفة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وتأكيد سيادة الحق، ويمارس مهنة التحكيم محكم. من التعريف السابق بمهنة التحكيم نجد أن مهنة التحكيم قائمة على الدفاع عن حقوق الغير والتوعية الحقوقية للمواطنين بحقوقهم وواجباتهم. ويحكم ممارسة مهنة التحكيم العدل، ونصت العديد من الاتفاقات الدولية على إظهار الحق بالحصول على مساعدة قانونية، ويتوجب على المحكم ممارسة عمله بكل أمانة وصدق وإخلاص مع الذي اختاره، وتحت طائلة المسؤولية يرتبط التحكيم بالحياة العدلية، كما تعيش في المحاكم وفي المجتمع ويقع على المحكم واجب متعدد الأبعاد: واجبه نحو الذي اختاره، وواجبه نحو خصمه، وواجبه نحو المحكمة، وواجبه تجاه نفسه، وواجبه تجاه النظام القانوني في الدولة. ولكن الواجب الأعلى والأسمى الذي يقع على المحكم هو واجبه لنصرة المظلوم وولاؤه لله ثم للعدل وللحق وأداء العدل. وأنه من الخطأ أن نعتبر المحكم لسان من اختاره، والناطق باسمه فقط يقول ما يريد الذي اختاره، وأنه أداته لما يرشده إليه، إن المحكم ليس كذلك وإنما هو مدين بالولاء والإخلاص للقضية الأهم وهي قضية العدالة ونصرة الحق. والتحكيم هي من نصرة المظلوم، وتشكل الدعامة الأساسية لتحقيق العدل، فهي مهنة مستقلة تشكل مع القضاء سلطة العدل، وهي تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدل وتأكيد سيادة العدل. ويجب أن يكون المحكمون قادرين على إيصال العدالة للجميع عن طريق السعي لتحسين النظم القانونية وتحسين المهارات المهنية التي تمكن المحكم من تقريب العدالة للناس والنظر في قضاياهم مع القضاء وتعزيز فهم الجمهور لدور العدل في المجتمع. مفهوم استقلال التحكيم ومفهوم التحكيم بالمعنى المتقدم جعل استقلالية التحكيم أهم مقومات وجوده وفعاليته في أداء دوره. وإذا كان استقلال مهنة التحكيم جزءاً من استقلال القضاء، وهما (استقلالية القضاء والتحكيم) جزءان لا يتجزآن لازمان لإقامة العدل، فإن لاستقلالية التحكيم معنى ومفهوماً يختلف عن مفهوم ونطاق استقلال القضاء. ومرد ذلك إلى أن التحكيم ليس سلطة كسلطة القضاء أو سلطة كبقية سلطات الدولة (التنفيذية والتشريعية). التحكيم منذ نشأته وهو مهنة معاونة القضاء تكمل وتشاطر القضاء مهمة إقامة العدل ونصرة المظلوم. ومن هنا اعتبر استقلال التحكيم جزءاً من استقلال القضاء، ومن هنا أيضاً اعتبر أن وجود النظام القانوني العادل والناجع لإقامة العدالة والحماية الفاعلة لحقوق الإنسان وحرياته يتوقفان على استقلال القضاة واستقلال المحكمين. ويقصد باستقلال التحكيم بوجه عام قيام المحكمين بأداء دورهم متحررين من كل تأثير أو ضغط من أي جهة كانت، وأن تكون كل السبل ميسرة أمام الجمهور للاستعانة بالخدمة التي يقدمها المحكمون. فالمحكم في أدائه لمهمته وواجبه لا يخضع لغير الله ثم العدل، واستقلالية التحكيم باعتبارها مستمدة من طبيعة وظيفته الاجتماعية كمشارك للقضاء في إقامة العدل تعني حرية ممارسته لمهنته واستقلاليته في آلية الدفاع عن الذي اختاره. ولعل هذا المفهوم لاستقلالية التحكيم هو الذي دفع للقول بأن (التحكيم دعامة العدل باعتبار أن العدل أساس الملك، ولا عدل بغير قضاء ولا قضاء بغير معاونة التحكيم). وينبغى التأكيد على أن استقلال مهنة التحكيم منوط بالمحكمين في التزامهم الأخلاقي والمهني بكل ما يكفل نزاهتهم ويحافظ على شرف وكرامة المهنة وفي التزامهم بالحفاظ على كفاءتهم المهنية وتطوير قدراتهم المعرفية وأدائهم العملي. فنرجو من معالي وزير العدل الطموح الدؤوب والجهات القضائية والإعلامية نشر ثقافة التحكيم تخفيفاً لأعباء القضاء التي قد أثقل بها، وإنا لمنتظرون.