نفى وزير العدل محمد بن عبدالكريم العيسى وجود أية ازدواجية في معايير العدالة في المملكة، أو تناقض بين الأحكام في الوقائع الواحدة والسياق الواحد. مشيراً إلى أن القواعد الجامدة وإن كانت في زمنها صالحة “إلا أنها كثيراً ما تخرج بالتحولات الجديدة إلى سياقات لا تنسجم مع قواعد العدالة، مع إيماننا دوماً بأن ثوابت العدالة التي تمثل قيمها الراسخة لا تقبل التغيير ولا التبديل”، مشيراً إلى قاعدة الشريعة في تغير الفتاوى والأحكام بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والعوائد. واطلع الوزير خلال التقائه لرئيس مفوضية الاتحاد الأوربي لويجي ناربون وعدد من سفراء الاتحاد الأوربي المعتمدين لدى المملكة في مكتبه في الوزارة أمس الوفد الأوروبي على أبرز معالم النظام القضائي الجديد ومنجزات مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء، في الجوانب العلمية، التقنية، الإنشائية، التجهيزية، والبشرية، مجدداً التأكيد على إدارة القضاء بأيدٍ كفء متمرسة وخبيرة في شؤون العدالة، منفتحة على مجتمعها وعالمها، مستشهداً بالحضور الدولي لمرفق العدالة والتذكير بمكاسبه بشهادات دولية، مطلعاً الوفد على بعض نماذج هذه المكاسب.
لا قضاء استثنائياً وقال الوزير “لم نشعر يوماً بوجود فراغ قضائي، إذ أن المواد القضائية كافة مشمولة بقيم العدالة المتاحة للجميع، بما في ذلك قضايا الإرهاب والأمن الوطني، التي تنظر مثل غيرها أمام محاكم مدنية، تمثل القضاء الطبيعي”، وأضاف “إن عدالتنا لا تسمح بأي قضاء استثنائي، أو الإخلال بأية ضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة”، مبيناً أن قضاء المملكة يرسِّخ بتاريخه الطويل وسجله المفتوح أنه حامي الحقوق والحريات المشروعة، وأن الحياد والاستقلال أصل راسخ في كيانه القوي.
عدالتنا أساسها الشريعة وشدد الوزير على أنه من حق مجتمعنا أن يكون أكثر ارتياحاً لما يصدر عن عدالته، لأنها تصدر عن تأصيل يعتمد نصوص الشريعة الإسلامية حيث تقضي محاكمنا بها وفق ما يتوجه إليه القضاء من اختيار الاتجاه الأصوب في فهم النص ليمثل فيما بعد مبدأه القضائي المعتمد، من خلال اجتهاد فقهي واسع لا تصادر فيه المفاهيم والآراء، وهو ما أثرى مادتنا الفقهية والقضائية ونوّع من خيارات اجتهادها وأتاح الفرصة لإيجاد خيارات بديلة للسوابق القضائية بحسب مقتضيات العدالة؛ على ضوء منطلقاتنا التي تتسم بالمرونة ومراعاة أهمية التعاطي الإيجابي والعادل مع القضايا المعاصرة وتحولاتها المستمرة، التي توجب علينا عند الاقتضاء التعامل معها بما يحقق العدالة لا الجمود على اجتهاد واحد.
تحديث مستمر وحول التحديثات في المجال القضائي أوضح الدكتور العيسى استمرار مسيرة التحديث والتطوير، وقال نحن لا نسد فراغاً في السابق بل نتعاطى إيجاباً مع المادة الإجرائية والإسنادية للعملية القضائية التي تتطلب التزامن والمواكبة، وضرب الوزير مثالاً لذلك بالمحور التقني في مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء، حيث تمَّ اختزالُ العديد من الإجراءات، وتسهيلها ما جعل المملكة تحصل على شهاداتٍ احتلت مرتبة الصَّدارة الدَّوليَّة.
بدائل مشروعة للتقاضي وأكد سعي مرفق العدالة إلى تعزيز دور البدائل المشروعة للتقاضي من خلال المزيد من التفعيل لدور المصالحة والتوفيق والتحكيم، موضحاً الاهتمام الكبير في هذا السياق بالشأن الاجتماعي والاقتصادي من خلال تدابير تسوية ملائمة حققت في ملامح منها منجزات كبيرة، خاصة مكاتب الصلح في القضايا الأسرية، كما شجع كل ما يعزز هذه البدائل التي تتفق مشتركات العدالة على غالب نظرياتها، فضلاً عن أسسها وقواعدها. وقال إننا نتعامل مع الأحكام الأجنبية وأحكام المحكمين الأجنبية وفق مبدأ المعاملة بالمثل في الإطار القانوني المتفق عليه، ولا نشترط في هذا إلا ما يشترطه غيرنا وهو عدم مخالفة النظام العام للدولة في الحكم القضائي أو الحكم التحكيمي. مشيراً إلى أن القضاء لا يتدخل في شقها الموضوعي، حيث برهن نظامنا القضائي على ذلك بنموذج يتعلق بالأحكام التحكيمية الأجنبية، حيث أناط النظر في تنفيذها إلى قاضي النظام العام، ولم يحلها إلى قاضي الموضوع، تأكيداً على أنه لا يراقب في هذا إلا ما يخالف النظام العام للدولة.
دعم كامل للمحاماة وأشار وزير العدل إلى أن مرفق العدالة يدعم مهنة المحاماة، ويؤكد الأخذ بالمفاهيم المشروعة لاستقلالها وعدم التأثير على مسارها العادل، لاسيما أنها جزء لا يفصل عن منظومتنا الحقوقية المتكاملة باعتبار المحاماة شريكا مهما في إيصال العدالة. ونوه بالتعاون الحقوقي بين المحامين السعوديين وزملائهم في العديد من دول العالم بما يخدم رسالة العدالة ويحقق المزيد من التلاقي والتفاهم وتبادل المعلومات والآراء. وألمح إلى أن للمحامي السعودي حضوراً دولياً لافتاً ترجم من خلاله رصيده الذي يعتز به، وأفصح عن قدراته التي تميزه، وأنه أبان بأدائه المهني في الداخل والخارج عن معايير العدالة السعودية بوصفه جزءاً مهما في كيانها، بخاصة في جانب أخلاقياتها المهنية.
مبادئ راسخة وختم الوزير حديثه للوفد بأن العدالة في المملكة تعتمد مبادئ قضائية مترسخة في الوجدان القضائي والوجدان الحقوقي، وأنها سمت بقيمها الرفيعة إلى أن يكون محلها الضمير العدلي لتُستدعى بكل يسر وسهولة عند الطلب، لا أن يُكتفى بمجرد تدوينها وطيها، متمنيا أن تسهم هذه الزيارات في تطور التعاون القائم بين المملكة ودول الاتحاد الأوروبي في المجالات كافة، خاصة المجال العدلي.
تعاون أوروبي من جهته أكد مفوض الاتحاد الأوروبي لويجي ناربون استعداد دول الاتحاد الأوروبي لبحث السبل للتعاون فيما يعود بالفائدة على إصلاح الآليات الإجرائية في النظام القضائي في المملكة وفق قواعد تعاون مشتركة. حضر الاستقبال المستشار المشرف العام على مكتب وزير العدل عبدالعزيز بن محمد المفلح ومستشار وزير العدل للشؤون الإعلامية فهد بن عبدالله البكران وعدد من مسؤولي الوزارة.