تنتفض تركيا إذا قال السوريون إن لواء الإسكندرون أرضهم المحتلة، وترتعش إيران إذا تحدث الإماراتيون عن جزرهم المغتصبة وطالبوا بعودتها لهم، وتنكر إسرائيل أنها تحتل أرضاً فلسطينية، فهي عادت بحكم فرضيات التاريخ «لأرض بلا شعب، لشعب بلا أرض» وقادم الزمن أسوأ، حيث يعاد النظر في الخرائط العربية، والعلامات الظاهرة قبل السرية، تقول إن حتمية التقسيم لكل قطر معدة، سلفاً، ومنذ «سايكس - بيكو» لأن المنطقة لا يسكنها شعب متجانس، فهناك أديان ومذاهب وقوميات، وتراث سبقت العرب بحضاراتها وتاريخها، وهم كأي محتل أضافوا لتاريخهم شعوباً طغت فيها ثقافتهم ودينهم ولغتهم على غيرهم، وبالتالي لابد من تحرير تلك الأقليات بوطن قومي يعيدهم إلى أصولهم الحقيقية.. هذه الرؤية صادمة ومقلقة، وإلا فكل دول العالم الحديثة المتقدمة منها، والمتخلفة تعتبر نسيجاً متفاوتاً في الأصول والديانات، ولكنها استطاعت أن توحد نفسها بقوانين العدل الاجتماعي والحقوق المتساوية، والعرب لم يؤدوا هذا الدور، مع أن العديد من البلدان التي تحررت من الاستعمار عاشت مرحلة حروب أهلية للبحث عن هويات أصولها وأقلياتها، ولكنها عملت على خلق جامع لهويات متعددة يجمعهم وطن واحد بتشريعاته وفرصه المتساوية.. الحديث يطول، وقد طرح على مستويات عربية مختلفة عن الدولة والوطن، والمواطن العربي، وغير العربي، وقد أزّمت الأوضاع السابقة طرح القومية العربية دون الاعتراف بقوميات وهويات أخرى مع أن بعض المفكرين الوحدويين حاول أن يجعل الوطن للجميع في ظل أكثرية عربية تلتزم قانوناً بحقوق الآخرين كمواطنين يتساوون معهم في الحقوق والواجبات تحت مظلة وطن واحد، وأن العروبة تتسع للجميع فهي ليست عنصرية أو شوفينية مثل القوميات الأوروبية، وهذا أحدث رد فعل، وإن كان نسبياً أو ضئيلاً، فهناك أقليات طالبت بنفس الحق التاريخي لعودة الجذور الأولى بما فيها إحياء لغاتها وروابطها التاريخية، وهو حق موضوعي لو ارتكز على أن يظل الوطن واحداً بهويات وأعراق وأديان مختلفة.. الحالة العربية الراهنة فوضى بكل المعايير والتوصيفات، فقد انتقلنا من حالة الوطن القومي الشامل، إلى محاولات يائسة بالمحافظة على القطر الواحد بحدوده الجغرافية ودولته الواحدة غير أن الصراع الذي فجرته الثورات الأخيرة، كشف عن هلامية وضعف الوحدة الوطنية ودولتها، وهي نتاج كوابيس نصف قرن من حكومات لبست ثوب الوطنية كشعار، وسادت بقوتها الخاصة احتكار السلطة والنفوذ، وغيبت شعوبها عن أي مشاركة، وبنظم بوليسية إما بدعم من الجيش الطبقة النافذة والقوية، أو سلطة المباحث والشرطة وخلفهما الأزلام والمنتفعون لنجد الزعيم لا يختلف عن ظل الله في أرضه، أو الإمام المعصوم بإطلاق سلطته وقراراته كنائب عن الشعب يحتكر قضاءه التنفيذي والتشريعي، وخلفه من يعطي له الحق المطلق، وبالتالي فقد ضاعت الأراضي المحتلة بنفوذ من دوّروها كأقاليم خاضعة لهم وغير راغبة في عودتها لأصولها؛ لأنها تنعم بحق لم توفره لها لا عروبتها، ولا إسلامها.. لمراسلة الكاتب: [email protected]