ستجدون أن وطأة الطقس هذه الأيام تركت أثرها لا على المرء وجسمه فحسب، بل أيضا على نفاد صبره وتململه في غرف انتظار العيادات. فهذا الفصل الشتائي القاسي يعرفهُ الأطباء بموسم الأنف والأذن والحنجرة. بعض المرضى يكتفي بالمعاينة التقليدية واستلام الوصفة،. والبعض الآخر يصر على معرفة سبب الوعكة وأبعادها وآثارها وكيفية تجنبها. والطبيب في زمننا هذا ليس لديه الوقت الكافي لشرح العلة لمريضه، لأن الشرح يطول، وقائمة الطبيب كلما زادت ارتفعت نسبة وارد الخزينة، وباعت الصيدليات دواء قد لا يحتاج منه المريض إلا ربعه . ومسألة " تغيرات الطقس " هي الإجابة الجاهزة لفضول المريض وإلحاحه لمعرفة أسباب معاناته . فالإجابة عامة، تصلح لكل علة، وتنعدم زوايا الخطأ في التشخيص، وتختصر الكلام إلى أقلّه، والوقت إلى أقصره . وتشخيص " تغيرات مناخية " أو تغيرات الجو، موجودة عندنا منذ زمن طويل. ويقول عنها الأوائل " لفحة برد " أو " دخول نجم " وهذا لا علاج محددا له وعلى المريض التحفظ من البرد بالملابس أو بشرب السوائل الدافئة، وهذا ما يُقال للمصاب قديما بواسطة طبيب أو مُجرّب..! وإن كان دور الأخير أهم وأعم فيما مضى، والدليل القول الشعبي : اسأل مجرّب ولا تسأل طبيب . ولستُ متأكدا من قول سمعته بأن سكان الدائرة القطبية المتجمدة لا يُعانون من الزكام أبدا. لكن الفكرة راجت . والتفسير لذلك أن الجرثومة أو البكتيريا (الفيروس) لا يعيش هناك . وما دام لا يعيش فجسم الإنسان في أمان . ويقول قوم بأن الطبيب هنا يأمر بشرب السوائل الدافئة لا ليطرد وعكة البرد والإنفلونزا، ولكن فقط ليُخفف من وقعها وليمنح الجسم فرصة المقاومة ريثما تمر الفترة . ويقول الإنجليز : إذا أخذت قسطا من الراحة وتناولت المشروبات الساخنة وأخذت وصفة الطبيب من المهدئات، فوعكة البرد تبقى معك " سبعة " أيام . وإذا تجاهلتها وأهملتها ومارست حياتك العادية، فستبقى معك " أسبوعاً ".. !! صفة كانت شائعة وربما لا تزال تقول: الزكمة علّة الرخوم " وأفهمها على أن داء الرشح لا يُصيب إلا ذوي البنية الرخوة أو المترفين من الناس.