ماذا فعلت أمانة جدة بعد أربعة انهيارات للمباني الآيلة للسقوط وقعت في أقل من 40 يوما، آخرها انهيار مبنى في حي الجامعة قبل ثلاثة أيام؟. أعتقد والعلم عند الله أن هذا السؤال يتردد على شفاه أكثر من ثلاثة ملايين نسمة يقطنون المحافظة، أو لنقل نصفهم على الأقل ممن تابع مآسي انهيار عمارة حي الصحيفة التي أزهقت أرواح ستة أشخاص وأصابت مثلهم، وانهيار عمارة حي البغدادية الشرقية التي تدخلت فيها العناية الإلهية وأنقذت حياة أفراد الأسرتين الذين كانوا يعتقدون أنهم آمنون تحت سقفها، وانهيار عمارة حي بريمان الذي تسبب في احتجاز فتاة وإصابة أخرى وإجلاء أكثر من 20 شخصاً، فضلا عن انهيار منزل حي الجامعة، الذين كان سكانه في زيارة لأقاربهم كما أوردت الخبر إحدى الصحف المحلية، بالإضافة إلى نحو 6000 عمارة مسجلة لدى الأمانة بأنها آيلة للسقوط في أية لحظة وتشكل خطرا على من يسكنها. ولكن السؤال هو هل يحق لنا أن نطالب الأمانة بدور تجاه حوادث بسيطة؟!، في الوقت الذي لم تفعل فيه شيئا أمام مأساة كارثة السيول التي هزت البلاد طولا وعرضا وأدت لتدخل رأس الدولة شخصيا في معالجة آثار تلك الكارثة التي تسبب فيها الفساد. إذ جميعنا يعلم أنه لو لم تتدخل قيادة هذه البلاد في كارثة الأربعاء الحزين، فإن الأمانة ستقف عاجزة تماما تجاه عروس البحر الأحمر التي لم يبق لها من صفات العروس غير اسمها فقط. وإذا كان بين الانهيار الأول والثاني أقل من أسبوع، وبين الثاني والثالث قرابة العشرين يوما، وبين الأخير وما قبله عشرة أيام، فإن معدل الانهيار يكون واحدا كل عشرة أيام، ورغم ذلك فإن أمانتنا المصونة! لم تتزحزح عن المضي في صمتها الطويل تجاه هذه "الألغام الموقوتة"، فهي على ما يبدو تنتظر أن تقع جميع المباني على رؤوس أصحابها لتسمي الحوادث بعد ذلك "قضاء وقدر". وفي المقابل، إذا حاولنا إمالة الكفة باتجاه الأمانة، إذ من أين لها أن تعالج هذا الكم الكبير من المباني، وتأتي تصريحات على لسان مصدر مسؤول فيها يؤكد بما لا يقبل التأويل أن لجنة المباني الآيلة للسقوط بلا أجهزة أو معدات منذ نصف عام!؟. تخيلوا يا "جماعة الخير" ستة أشهر في مدينة تنتشر فيها آلاف المنازل المؤهلة للسقوط والأمانة فيها بلا معدات إنقاذ منذ نحو ستة أشهر؟!. ولم يكتف المصدر المسؤول بهذا التصريح الناري، إلا أنه أكمل وفي نفس الصحيفة التي أوردت الخبر واصفا عمل لجنة المباني الآيلة للسقوط بمن ينتظر وقوع البلاء، وقال بالحرف "كل ما نفعله حاليا هو انتظار سقوط المنازل التي نعلم أنها ستقع على رؤوس من فيها، ومن ثم نذهب لنقف على الأنقاض لنحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه". ماذا يمكن للمرء أن يقول بعد هذا الوضوح، وما سيفعل المواطنون أو المقيمون المساكين الذين اتخذوا من تلك المنازل ملاذا لهم. مما لا شك فيه أن انتشار هذه البيوت المتهالكة التي نشأت في ماضي جدة كحبات الفطر، إذا ما ربطت بتصريحات مسؤول الأمانة حول غياب التجهيزات، فإن هذا يعني أن ناقوس الخطر بدأ يدق في هذه المحافظة، ولا بد من التحرك السريع، لكن لا ندري إن كان التحرك على مستوى الأمانة سينفع، طالما تحكمها هذه الذهنية التي يصعب وصفها على أي مراقب، وإلا أعان الله مجددا قيادتنا للتدخل مرة أخرى في قضايا كان يفترض أن تكون بمنأى عنها، لو تحركت الأمانة كما ينبغي. إن الوقت يضيق وأصبح الحال حرجا ولم يعد يسمح بالتباطؤ ولا بد أولا من العمل على إخراج السكان من المنازل غير الآمنة وتأمين منازل بديلة لهم وبأسرع وقت دون أن يتركون في العراء، لتأتي بعدها عملية تأمين المعدات للجان العاملة في الأمانة والعمل على هدم تلك المنازل بطريقة مدروسة ودون أن تؤذي أحدا من المباني المحيطة فيها، وليس عيبا أن نستعين بمهندسين من الخارج متخصصين في هدم المنازل الآيلة، لكن العيب أن نصحو من غفوتنا أمام كل كارثة ونلقي بالتهم على غيرنا، فهذه هي الطرق المثلى للحد من تفاقم خطورة المباني الآيلة للسقوط .... وإلا فلن يرحمنا التاريخ. بسام أخضر