الثقافة والمثقف والدور الأهم ..!!! يخطئ من يعتقد بأن الثقافة هي التعليم وإن كان التعليم أحد الأسس اللازمة والضرورية لتكوين الثقافة ، فالمعارف والمعلومات التي يحصل عليها الطفل في مراحل تعليمه الأولى والدروس التي يستفيدها في مدرسته والكتب التي يتعلم منها أساسيات العلوم والمعارف ، وطرق التعليم على اختلافها واتصاله بالبيئة المدرسية بكل جوانبها والعادات التي يتعود عليها كل ذلك يؤدي إلى أن تتوفر لديه الأدوات الضرورية لتكوين ثقافته. إن التعليم أداة هامة من أدوات الثقافة ، وأدوات الشيء ضرورية لتكوينه ، فاللغة مثلاً هي أداة التعبير بصفة عامة ، وهي تعتبر أداة حتمية للتعبير عن الرأي ، وهي لهذا ضرورية لتكوين الرأي حتى أنه لا يمكن تصور الرأي بغير لغة. لكن اللغة مع هذا ليست رأي أو أدب ، إنها أداة الرأي لا الرأي نفسه ، التعليم كذلك أداة من أدوات الثقافة لكنه ليس الثقافة. فعندما نتحدث عن الثقافة فهناك ثمة أسئلة كثيرة تطرح منها ، هل الثقافة مرتبطة بشهادة علمية تمنحها إحدى الأكاديميات العلمية أم هي شهادة خبرة وحكمة تمنحها أكاديمية الحياة؟ والعديد من الأسئلة المتفرعة عن هذا السؤال ، فالعلم في حد ذاته نوع من الثقافة ولكن ليس كل متعلم مثقف ، فالمتعلم شخص اكتسب معرفة في مجال معين ومحدد والمثقف أخذ من كل علم ما يكفي لجعله مطلع على ما يدور حوله ، وقد عرف أسلافنا السابقون الثقافة بأنها (هي الأخذ من كل علم بطرف). ولست هنا لإيجاد تعريف موحد لمفهوم الثقافة فلقد أحصى بعضهم أكثر من مئة تعريفاً للثقافة ، حيث تتعدد التعاريف بتعدد المدارس وأنساقها الفكرية ولكن المتفق عليه عموماً هو إن الثقافة لغة وتراث وسلوك واتجاهات تنتقل إلى الأجيال ، أي إنها عملية بناء متواصل للإنسان من خلال التاريخ وإن لها وجوداً مستمراً غير محسوس يرافق المجتمع ، فالمجتمع كما هو معروف ليس فقط سلوكاً اجتماعياً بل ثقافياً أيضاً ، ومن هنا يصبح على المثقف ضرورة امتلاك الفكرة والتفكر والثانية هي بمثابة السكة التي تجعل من تحرك القطار ممكناً وواقعاً ، فالمثقف ليس من امتلك المعلومة بل من امتلكته المعلومة وليس من عاش فيها بل من عاشت فيه ، وبالتالي ليس مثقفاً من يرطن بالمفردات الصعبة ويردد ببعض المفردات الأجنبية (عقدة الخواجات) وإنما من يمتلك ميزة الإنصات وحسن التعبير ومخاطبة الأشخاص بما يفهمون ، إن قراءة متأنية للتاريخ الإنساني تظهر لنا وبصورة جلية أن الأمم التي انقسمت على ذاتها والشعوب التي خسرت هويتها وخصوصيتها أنما هي تلك الأمم والشعوب التي ارتضت لنفسها أن تكون في الضفة المقابلة للمثقف معطية ظهرها له وللمعرفة التي تمكن العاقل من أن يسود والقائد الخبير من أن يهاجم بلا مخاطر وينتصر بلا إراقة دماء وأن ينجز ما يعجز عنه الآخرون. وعلى ذلك يمكن القول إن تحرك المثقف لا يمكن أن يتم إلا عبر سياقات الأمل والتفاؤل وأن لا مكان للتشاؤم في ذهنيته وإذا وصل المثقف إلى تلك المرحلة فهذا يعني افتقاده للجوهر والرؤية والخيال وتلك عناصر لا يستطيع المثقف التحرك بدونها وإذا تحرك بدونها فهذا يعني دخوله في ساحة التشاؤم والضعف واللافاعلية. إن دور المثقف اليوم وفي ظل العولمة المتوحشة يكتسب أهمية خاصة واستثنائية فهو مطالب بالحفاظ على الهوية والتراث في عالم يتجه نحو اللاهوية واللاتراث نحو عالم يتجه باتجاه العدمية والمادة وهو مطالب أيضاً بإبراز مكامن القوة في بلده في ظل قوة غاشمة متسلحة بآفتك الأسلحة تريد التهام الشعوب كما تلتهم الوجبات السريعة فعالم اليوم هو عالم (القوي يأكل الضعيف والسريع يلتهم البطيء) ولا مجال البتة للضعف والتوقف ومن هنا تأتي استثنائية دور المثقف ودوره المركب في الحفاظ على الذات والوطن والقيم العليا وهي مهمة كبيرة وقاسية وتنوء تحت ثقلها الجبال ولكنها بنفس الوقت نبيلة وراقية بحيث تجعل من القوة قوة في سبيل الإنسان وليس لتدميره وتجعل من التسامح وقبول الآخر ثقافة يومية تنغرس في الذهنية والوجدان إن تلك المفردات تجعل من المثقف العدو الأظهر والأبرز للتشاؤم وتجعل من الأخير يضع يده على مسدسه عندما يسمع كلمة مثقف. المهندس/عبدالله عمر العمودي