يوم في المحكمة منذ عدة أسابيع وصلتني رسالة أيمن، وفي كل مرة أتوقف عندها قليلا فأضحك أحيانا وأحزن أحيانا أكثر، كان أيمن طرفا في قضية تجارية في إحدى المحاكم ولكن ساعات الانتظار الطويلة منحته فرصة التأمل ومراقبة أصحاب القضايا الأخرى، ولأنني والحمد لله لم أدخل محكمة حتى هذه اللحظة فقد كانت الصورة التي نقلها أيمن كافية لإقناعي بأني رجل محظوظ جدا. كان خصم أيمن إحدى الشركات الكبرى والقضية عبارة عن مطالبة بتعويض مالي (ليس في الموضوع خصوصية شخصية كما يقول) فحضر صاحبنا إلى الجلسة الأولى وهو يتأبط أوراقه ويضع في ذهنه الصورة النمطية للمحكمة كما تظهر في مسلسلات التلفزيون ولكنه فوجئ بوجود عدد كبير من النساء والرجال المتخاصمين بالقرب من مكتب القاضي. في البداية قالت سيدة عجوز: (الله يرحم والديك ياشيخ طلق لنا البنت.. صار لنا ثلاث سنين نروح ونجي بدون فايدة وزوجها ما حضر ولا جلسة..حرام والله البنت حالتها حالة) ولكن القاضي الذي لم ترق له توسلاتها طلب منها الصمت. بعد ذلك تحدث رجل رفع قضية على زوجته متهما إياها بقذفه فبدأ الجميع بالفرجة على (نشر الغسيل) المحرج بين الزوج وزوجته، وكان واضحا على المتخاصمين الحرج الشديد ولكن مع تصاعد الخصام أصبح كل شيء واضحا (على البلاطة)!. يستغرب أيمن عدم وجود خصوصية تمكن المتخاصمين من الحديث بحرية بعيدا عن مسامع الفضوليين أو المتواجدين الذين لا يريدون أن يسمعوا خصوصيات عباد الله ولكنهم مضطرون للبقاء في المكان ذاته من أجل حضور جلستهم، ويتساءل أيمن لماذا تحشر قضايا النزاعات التجارية مع قضايا الأحوال الشخصية مع قضايا الخصومات العامة؟ وتحزنه طريقة تعامل القاضي مع هذا الحشد الكبير من الناس وسياسة مواعيد الجلسات التي تمتد لفترات زمنية طويلة جدا. كلما قرأت رسالة أيمن وجدت نفسي وسط غابة من علامات الاستفهام فأغلق البريد وأنا أقول لنفسي: (رفعت الجلسة)!. خلف الحربي klfhrbe@gmail