((ففيهما فجاهد)) جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد , فقال له : أحي والداك؟ قال نعم . فقال ( ففيهما فجاهد )رواه البخاري أحببت أن أستهل كلامي بهذا الحديث النبوي الشريف,الذي يعلو كلامنا ولايعلى عليه,...وقد ذكرني به سؤال وجهه مستفت شاب لفضيلة الشيخ صالح اللحيدان, عن الجهاد ولماذا لم نعد نسمع دعوة عامة له مع كثرة الحروب في العالم الإسلامي؟؟؟؟...وهو سؤال وجيه برأيي,وقد بين علماء الإسلام الأفاضل مشروعية الجهاد وحكمه وحكمته وشروطه باستفاضة لمن انار الله بصيرته الا من ابى الا الزيغ فماذا بعد الحق الا الظلال, خاصة أن الحروب تحتاج لدراسة وتخطيط وتوجيه من حاكم مركزي(وليس أمير حرب يدير معاركه من الكهوف),وذلك للتعقيدات وتقاطع المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية..حتى أن اتخاذ أبسط القرارات الاقتصادية العامة أصبح أكثر تعقيدا من أدق جراحات الدماغ الحساسة..ناهيك عن قرارات الحروب الكبرى والتي لها تبعات هائلة على الناس بشكل مباشر وغير مباشر. والعجيب أن ينشغل شباب في مقتبل العمر بمثل هذه الأمور فيلزمون أنفسهم بمالايلزم ,ولكم وددت لو اسمع من شبابنا استفتاءات تتعلق باحكام طلب العلم,وحقوق الأسرة والجيران,وأحكام البحوث العلمية والإبداعات والإختراعات,بل وأحكام السياحة والمغامرات والرياضات المتنوعة.... أما الإرشادات النبوية فهي اضحة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه )رواه الترمذي..فماذا يهم الفقير ليسأل عن حكم إنشاء الشركات الضخمة متعددة الجنسيات,وماذا يعني بائع الخضر ليسأل عن حكم صناعة الروبوتات,وماذا يشغل العاطل ليسال عن حكم إدارة الشركات المختلطة وماللرجل وأحكام الحيض والنفاس ليجعلها أكبر همه,أو صاحب الغنم ليجعل معرفة مقدار نصاب الابل وزكاتها على رأس أولوياته..وكذلك ومن باب أولى فالمعنيين بفتاوى الجهاد وتعقيداته السياسية والعسكرية والاقتصادية والأهم من كل ذلك الإنسانية هم القادة الذين ولاهم الله أمر المسلمين ..فلماذا لايسأل الشاب عما يعنيه مباشرة ويترك مالايعنيه...(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «أيّها النّاس إنّ الله عز وجل قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلتُ نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم قال : ذروني ما تركتكم فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» [رواه مسلم))..وإن من أعظم نعم الله على المسلم أن يجد من يحمل عنه الأمانة, فليحمد الله على ذلك وليتركها لمن حملها ويدعو له بالسداد والنصر و الصلاح. بل إن الغريب أن يتوجه شاب لإصلاح العالم عبر العمليات الإنتحارية بينما يهمل أسرته وأحق الناس بحسن صحابته وأحوجهم لرعايته وعطفه,فينشغل عن أمه وأبيه وزوجته وبنيه,ليتعرض كبيرهم للهوان وصغيرهم للضياع ,وما الفائدة لو كسب العالم لكن خسر أسرته(والحقيقة انه يخسر العالم ويخسر أسرته بل ويخسر قبل ذلك دينه) ولاحول ولاقوة إلا بالله وفي حديث\"ففيهما فجاهد\" فوائدة عظيمة وحكم جليلة لمن ألهمه الله رشده.. أولها/أن الرجل اتجه ليستأذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم(أي القائد والإمام) ثانيها/ أمر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل ان يجاهد في العناية بأبوية,مع ان الجهاد لم يكن كاي جهاد,بل كان جهادا صحيحا واضحا جليا تحت قيادة خير البرية صلى الله عليه وسلم وليس أمراء حرب شبه نكرات,في أمور أقل مايقال عنها أنها مشتبهات. ثالثا/كان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك والعدو واضح وهم المشركين الذين حاربو رسول الله وأصحابه وقتلو وعذبو المسلمين ..وليس كما يحدث من عصابات الإرهاب من قتال لإخوة الدين والوطن والسلام نعمة الا ان البعض يريدون تحويله لنقمة,وهو ميزة لكن بعضهم يريد تحويله لنقص وعيب,وما جرأتهم على الدعوة لإشعال الحروب إلا لجهلهم بتبعاتها والتغيرات التي استجدت في عالم اليوم((ففي العصور القديمة كان من الطبيعي أن يدخل حكام اصغر الإمارات في عشرات المعارك..وذلك ليس لشجاعة ظاهرة ولا ايمان زائد ولكنها طبيعة تلك العصور\"ولكم ان تطلعو على أي كتاب في تاريخ الدول شرقا وغربا مسلمين أو صليبيين أو وثنيين أوبوذيين...الخ)) وحروب اليوم اقل عددا لكن اشد تأثيرا وفتكا, والقائد الحكيم هو من يتعب نفسه في تجنب الحروب ويوجه الطاقات المالية والبشرية لخير شعبه خاصة أن الهدم أهون من البناء,ومن يريد ان يدخل حربا فعليه ان يكسبها قبل ان يدخلها,وذلك بالإعداد لها وبان يعرف عن عدوه مثلما يعرف عن نفسه واني اشك في معرفة الكثير من منظري الجهاد,بما يملكه (الآخرون)من أسلحة وعن القوة التدميرية لتلك الأسلحة..هيدروجينية ونووية ونيترونية,اندماجية وانشطارية,بيولوجية وكيميائية,..ناهيك عن أن خطف الطائرات وتوجيهها لضرب المناطق الحساسة ليس حقا حصريا لاحتكار تطرف الجماعات المنسوبة للمسلمين,بل لن يطول الوقت حتى تخرج جماعات منحرفة \"غربية مثلا\" لتقوم بذات الأمر وتضرب مناطق إسلامية حساسة \"لاسمح الله\" والسياسة في عالم اليوم أشبه بأرض شاسعة مجهولة مملوءة بالمفاجآت والحفر والمستنقعات والعوائق والعقبات والألغام وقطاع الطرق...والسياسي أشبه بقائد مركبة مكتظة بالركاب مع أغراضهم الثمينة,ومهمته أن يعبر بهم ليوصلهم إلى غايتهم بأمان. فلنسأل الله أن يوفق قائدنا ليبلغ بنا غايتنا من عبادة الله وعمارة الأرض وإقامة الدين بأمن وأمان وصلى الله على سيدنا محمد والنبيين وسلم خالد علي الزهراني كاتب سعودي