الدعوى التي رفعها المدعى العام التركي للقضاء لحظر حزب العدالة والتنمية الاجتماعية وقادته أثارت لغطاً كثيراً في الشارع السياسي التركي كما اثارت اهتماماً خارجياً واسعاً باعتبار انها تمثل محاولة جادة من التيار العلماني الذي تراجع امام شعبية حزب العدالة لتقويض الحكومة الحالية واستبدالها بأخرى.. فمن شأن هذه الدعوى اذا ما أيدها القضاء ان تعيد خلط الاوراق في تركيا وربما تدخل البلاد بأكملها في موجة من عدم الاستقرار وتهيىء الجيش مجدداً للعودة للحكم في أكبر ضربة للديمقراطية. ونفس هذه التجرية قد جرت من قبل مع حزب الرفاه بزعامة نجم الدين اربكان ونجحت انذاك في ابعاد اربكان وحزبه من الحكم. ولكن الوضع هذه المرة مختلف تماماً فانذاك كان حزب الرفاة يملك الأغلبية ولكن أغلبية لا تمكنه من تشكيل الحكم بمفرده وكانت هناك تيارات علمانية نافذة لها أصوات معتبرة في البرلمان، كما ان المؤسسة العسكرية وقتها كانت ترفض تماماً تولي زعماء التيار الإسلامي للمناصب المؤثرة في الحكومة. ولكن اليوم حزب العدالة الاجتماعية الذي قام على أنقاض حزب الرفاه يشكل الأغلبية المطلقة. والمؤسسة العسكرية لم تعد بذلك النفور من الإسلاميين، كما ان العلمانيين أنفسهم ورغم قلة تمثيلهم في البرلمان إلا انهم يرفضون الانقلاب على الديمقراطية اضافة الى أن هناك تحذيرات قوية وخاصة من الاتحاد الاوروبي من تدخل الجيش في العملية الديموقراطية ومن اقحام القضاء كذلك في عمليات التغيير التي يجب أن تتم داخل البرلمان وهي تحذيرات يجب أن تؤخذ في الحسبان في اطار سعي تركيا الحثيث للانضمام الى الاتحاد الأوروبي كل هذه الاجواء لا تساعد المدعي العام في اسقاط الحكومة الحالية، كما ان حزب العدالة والتنمية الذي يملك الأغلبية المطلقة في البرلمان من شأنه ان يمرر من القوانين ما يعرقل به اجراءات المدعي العام وقد بدأ بالفعل في هذه الخطوة. ولكن لنفرض جدلاً أن المحكمة الدستورية أقرت حظر حزب العدالة هل أصبح الطريق ممهداً أمام العلمانيين؟ بالطبع لا لأن نفس الحزب يمكن أن يقوم باسم حزب آخر طالما ان قاعدته الشعبية يمكن أن تضمن له الفوز مرة أخرى. اذن ليس هناك أفضل من ترك العملية الديموقراطية تسير كما يريد لها الشعب التركي فمحاولات الانقلاب لن تخدم الاستقرار في تركيا ذلك البلد المهم على الساحة الاقليمية.