قال فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود الشريم في خطبة الجمعة بالمسجد الحرام أمس “ في ماضي دنيانا وحاضرها وجود محسوس للشيء ْونقيضه والشيء وضده والشيء وخلافه ولو نظرنا بأنفسنا إلى كثير مما نعلمه بالحس والمشاهدة والعقل لوجدنا الخير والشر والكفر والإيمان والطاعة والمعصية والحسن والقبيح والحلال والحرام والعدل والظلم ولو دققنا النظر بتدبر وتفكر لرأينا أن مرد تلكم الأمور السالفة ونحوها يرجع إلى أصل عظيم وأساس لابد منه لإقرار التوازن وتحقيق التقابل والتوسط المنشود الذي يقف بين الإفراط والتفريط وبين الغلو والجفاء ولاتكمن حقيقة هذا الأصل إلا في مبدأ الثواب والعقاب الثواب جزاء لكل زين والعقاب والغرم جزاء لكل شين مما مضى ذكره الثواب بسبب الإيمان والخير والحسن والحلال والعدل والطاعة ونحو ذلك والعقاب بسبب الكفر والقبيح والحرام والظلم والمعصية ونحو ذلك. وأضاف فضيلته يقول من المسلم عقلا وشرعا أن ديننا الحنيف وشريعتنا الغراء قد قاما على المبدأ وعلى جعل العقاب في كل أمر محرم ممنوع وجعل الثواب في كل واجب ومستحب والآيات في هذا المقام كثيرة جدا. ومضى فضيلته يقول “ فإذا كانت الآيات دالة على التفريق والمغايرة بين الحسنة والسيئة فإن هناك أيضا مايدل على التفريق بين فاعل الحسنة ومرتكب السيئة كل ذلك فيه دلالة واضحة على دفع الإنسان وحثه على الالتزام بكل خير دعت إليه شرعة الإسلام وتحذيره وزجره عن أن يقع فريسة لكل شر نهت عنه وماكانت بعثته صلى الله عليه وسلم وإرساله إلى الناس كافة إلا من هذا الباب فقد قال صلوات الله وسلامه عليه (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) ومن هنا فإنه لايمكن لأي مجتمع مسلم أن يكون مستقرا إلا بتحقيق مبدأ الثواب والعقاب في أوساطه وعلى كافة أحواله في العبادات والمعاملات ، كما انه لن يستقر مجتمع انحاز إلى احد شطري هذا المبدأ فلن يفلح مجتمع لايعرف إلا الثواب ولم يسلك إلا مسلك الإرجاف كما انه لن ينهض مجتمع لايعرف إلا العقاب ولم يسلك إلا طريق التنطع والمشادة ولأجل هذا وصف الله امة الإسلام بأنها الأمة الوسط. وبين فضيلته أن هذا هو سر تفضيل هذه الأمة لأنها هي وحدها التي تملك هذا التوازن وتمسك به مع الوسط حتى لايغلب طرف طرفا ولا يبغي جانب على جانب ولولا هذا المبدأ لتساوى المحسن والمسيء والمؤمن والكافر والعادل والظالم والصادق والكاذب. وقال الشيخ سعود الشريم إنه قد جنح بعض ذوي الافهام المغلوطة فوصفوا الشريعة بأنها مجموعة تعاليم يغلب عليها العقاب والترهيب والتخويف الداعي إلى التنفير كذب فهمهم وخاب ظنهم حيث لم ينظروا إلا بعين واحدة ولم يدركوا أن الثواب والعقاب صبغة الله قال تعالى (ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون) فاتهموا العقوبات في الإسلام وقدحوا في الحدود الشرعية ووصفوها بألسنة حداد فذموا القصاص وقطع يد السارق ورجم الزاني الثيب وجلد شارب الخمر وأرادوا للمجتمعات أن تسير عرجاء برجل واحدة وهي الثواب لاغير وآخرون غلطوا غلطا فاحشا في تطبيق الثواب والعقاب وذلك من خلال أمور أربعة أولها أنهم وضعوا الثواب في موضع العقاب وجعلوا جزاء المخطئ المثوبة كالمحسن على حد سواء وهذا انحراف مشين وخروج عن السبيل إذ كيف يثاب العاصي على معصيته وكيف يكرم المرء على خطئه وثانيها أنهم وضعوا العقاب موضع الثواب فجعلوا جزاء المحسن الحرمان وانه هو والمسيء على حد سواء وثالثها أنهم ميزوا بين الناس في الثواب والعقاب ورابع الأمور هو الإسراف في المثوبة فوق الاستحقاق والإسراف في العقوبة فوق ماينبغي. وفي المدينةالمنورة أكد فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالمحسن القاسم في خطبة جمعة امس أن النفس البشرية تتمكن بعبوديتها لله وحسن معاملتها مع الخلق وشرع الله لعباده من الأخذ بمعالي الأمور والنهي عن سافلها ، وقال إن الوفاء من الأخلاق الكريمة ومن صفات النفوس الشريفة وهو من أسس بناء المجتمع واستقامة الحياة وهو الاعتراف بالفضل ورد الجميل لمن أسدى إليك معروفا أو مد إليك يدا. وأوضح الشيخ عبدالمحسن القاسم أن أعظم عهد يجب على المرء الوفاء به هو الوفاء مع الله بأن يعبده وحده لا يشرك به شيئا ، كما قال سبحانه وتعالى (وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم) ، وهو من شيم الرجال وإمارة على سمو النفس وحسن الخلق وأوفى الناس رسل الله فموسى عليه السلام عرف حق أخيه هارون فسأل ربه أن يجعله شريكا معه في الرسالة ، والرسول صلى الله عليه وسلم كان وفيا مع من نصره لإبلاغ رسالة ربه ، منع المطعم بن عدي المشركين أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة فحفظ له عليه الصلاة والسلام إحسانه وقال في أسارى بدر “ لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء لتركتهم له “. ومضى إمام وخطيب المسجد النبوي قائلا إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان وفيا مع صحابته ، فأبوبكر رضي الله عنه أفضل الصحابة نصر النبي صلى الله عليه وسلم بماله ونفسه وكان أكثر الصحابة صحبة له فقال عليه الصلاة والسلام “ لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخي وصاحبي “ ، كما اعتز الإسلام بإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبلى في المشاهد بلاء حسنا فقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم “ عمر في الجنة “ ، ولما بذل عثمان رضي الله عنه لهذا الدين من ماله ما بذل وجهز جيش العسرة بألف دينار ألقاها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم قال له “ ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم “ ، وعلي رضي الله عنه أول من أسلم من الصبيان فقال النبي صلى الله عليه وسلم فيه يوم خيبر “ لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله “ فأعطاها عليا ، وصلى على شهداء أحد بعد ثمان سنين من استشهادهم كالمودع لهم ، وصلى على قبر جارية سوداء كانت تقوم بالمسجد. وأضاف فضيلته يقول إنه لما ناصر الأنصار المهاجرين دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم ولذراريهم فقال “ اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار “ ، ولم يسد أحد من الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم معروفا إلا ويكافئه عليه ، قال عليه الصلاة والسلام “ مالأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدا يكافأه الله بها يوم القيامة “ “ مشيرا فضيلته إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بحفظ الود لصحابته كلهم بعد مماته فقال “ لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصفه “ ، ووفاؤهم امتد إلى أمته وذلك في الموقف العظيم فقال “ لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا “. وبين فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي أن الصحابة رضي الله عنهم ساروا على هذا الخلق العظيم فالنبي صلى الله عليه وسلم لما قبض قال أبو بكر للصحابة من كان له عدة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دين فليأتني ، وقال لا أترك أمرا رأيت رسول الله صلى عليه وسلم يصنعه إلا صنعته ، والصحابة رضي الله عنهم حفظوا لأبي بكر مكانته وسبقه للإسلام فاتفقوا على بيعته خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أدرك أبو بكر رضي الله عنه منزلة عمر بن الخطاب التي أنزلها إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان عليه الصلاة والسلام كثيرا ما يقول “ جئت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر “ ، فعهد أبو بكر بالخلافة من بعده لعمر. وقال الشيخ القاسم “ إن الوفاء يعظم مع الوالدين فقد تعبا لراحتك وسهرا لنومك وكدح والدك لعيشك وحملتك أمك كرها ووضعتك كرها وأول واجب فرضه الله من حقوق الخلق البر بالوالدين ، قال تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) ، ومن الوفاء لهما الدعاء لهما وطاعتهما في غير معصية وفعل الجميل معهما وإدخال السرور على نفوسهما ومن البر بهما أن يريا ثمرة جهدهما على أولادهما بسلوكهم طريق الاستقامة والصلاح ومن الوفاء لهما إكرام صديقهما بعد موتهما “. وأضاف إمام وخطيب المسجد النبوي أن من الوفاء الوفاء بين الزوجين فقد جمعهما عقد عظيم ، فخديجة بنت خويلد رضي الله عنها واست النبي صلى الله عليه وسلم بمالها ورزق منها الولد وأول من صدقه وآمن به من النساء وهي التي ثبتت فؤاده عند نزول الوحي وقوت عزيمته وكانت خير زوجة لزوجها في حياتها فقابل صلى الله عليه وسلم وفاءها بوفاء أعظم منه فكان في إحسانها يشكرها وظل بعد موتها يكثر ذكرها ويقول عنها “ إني رزقت حبها “ ، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة ويقول إنها “ كانت وكانت وكان لي منها ولد “. وأفاد الشيخ القاسم أن من الوفاء محبة العلماء وتوقيرهم وإجلالهم إذ هم حملة الدين وورثة المرسلين ، كما أن للصاحب وفاء يتحقق بشكر أفعاله وحفظ سره ووده والثناء الحسن عليه ومنع وصول الأذى إليه وبذل الندى له ولأولاده ومن صنع إليك معروفا فكافأه عليه فإن لم تجد ما تكافأه عليه فأدع له فإنه من الوفاء.