قبل أن ابدأ في سرد هذه السطور فانه سيخطر ببال القارئ أنني أتحدث عن المريول “الزي” المدرسي فقط، لكن الأمر قد لا يبتعد عنه من الناحية التشبيهية وحتى العملية، فالشعارات والزي الموحد والمريول مرة أخرى ليسوا بالضرورة أساسات وشواهد حية تحكي عن المضمون والصورة الحقيقية لقوة ومتانة التنظيم الذي ينتمون إليه، بل الأمر يقع في قضية محورية في حياتنا والتي تسيطر عليها الشكليات والمجاملات المفرطة، وهي لا تتعدي القشور الخارجية لمحتوى أجوف ما يلبث يتفتت وينكشف الصدأ الذي ينخره. فالمريول السحري؛ وهو عنوان حكايتنا هذه، وسيشمل كل اللباس المعني لأداء العلم والعمل، والذي ما بقيت وأنا أعاينه في ليلي وفي نهاري، فأينما اذهب منذ يقظتي وتوجهي إلى عملي وأنا أراه حاضرا يلمع في عيناي؛ ابتداء عند أبنائي من الطلبة خاصة البنات أعان الله الأمهات بداية كل عام على تجهيزه مع مستلزماته وتبعاته وهمومه المؤرقة الغامضة المستقبل لهم جميعا، ولا ننسى كذلك الزي الموحد أو ما يقال عنه coverall في الطرقات والورش والمصانع.. والخ. لا تتعجب.. حين يأتيك ابنك أو ابنتك بعد اليوم الأول “وحتى بعد ذلك” بطلبات متتالية ومرهقة، وأنت تعتقد انك مرتاح وسعيد وفرح أن ابنك أو ابنتك في مدرسة أهلية عريقة وكبيرة ويبهرك الزي المميز الذي يلبسونه، وقد خرجت أجيالا سابقة كثيرة، وقسطها السنوي بدأ يكبر معها ويتضاعف كالأسهم، بالتأكيد لا تعرفونها لأنها من سرد الخيال، أو ربما موجودة فقط لفئات معينة لراغبي ارتداء المريول السحري للنجاح!! والسبب هو البحث عن تعليم مغاير عن الروتين العقيم سيد الحفظ والتلقين، لكنها لم تعد ضمانة لهم ولمستقبلهم في ظل الظروف الصعبة والبطالة المتعبة التي يعاني منها المجتمع. لا تستغرب.. أن يكون رئيسك يوما ما أصغر منك سنا وعلما ومعرفة لأنك لا تعرف كيف كان يرتدي القناع أو المعطف السحري Magic coverall في إظهار انه يعمل بجد واجتهاد، ولو بالتزلف وكأنه مخلص للفضيلة، ولو حاولت أن ترتديه مثله، فلن ينفعك ولن يجيرك، لأنك واقع تحت مرض اسمه المعرفة والوصول، أو أن دمك ليس من نفس الفصيلة، فيصبح عمرك في الخمسين أو الستين ويرفع صوته عليك ذاك المتمرد المغرور ابن العشرين أو الثلاثين، فليس لك غير الرحيل من القهر وسيلة، وان رفعت صوتك بالحق عليه وعلى من وضعه ومن يسنده، فسيشهد عليك الجميع بالإزعاج زورا، وستقبع في القاع إلى الأبد كلعنة الفراعنة لمدة طويلة. لا تستنكر.. على غيرك ممن يلبسون المعاطف الملونة الفسفورية المشعة في الظلام، سواء في النظافة والطرقات أو غيرهم ممن هم اقل منك رتبا، تتعالى عليهم وتحتقرهم وأنت تلبس المعطف السحري للتزلف، أو للحفاظ على لباسك الداخلي من الاتساخ، فالعمل عبادة وشرف والكل مكمل للآخر.