سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
نبوغ طفل.. شجاعة فتى.. قيادة رجل.. حكمة شيخ..زهد ملك.. واستشهاد مجاهد (الندوة) تنهي الخلاف حول مولد الملك فيصل بوثيقة تاريخية
كنا على حق حين سميناه باسم جده الإمام فيصل
(ماذا عساي أن أقول..فكل وصف فيه قليل.. فهو عن الوصف جليل.. فيصل بن عبدالعزيز نبوغ طفل.. شجاعة فتى.. قيادة رجل.. حكمة شيخ..زهد ملك.. واستشهاد مجاهد. ملك نفسه.. فملك الناس.. ترفع عن الصغائر, فكبر..ونأى عن المظاهر, فاشتهر. قليل الكلام.. كثير العمل..إذا تحدث صدق..وإذا قال فعل..وإذا غضب صمت. في صمته مهاب.. وفي حديثه جذاب..وفي حركته رشاقة.. وفي هندامه أناقة. بسيط المظهر.. عميق المخبر..إذا وقف بين الناس ظننته أطولهم قامة, لشموخ مكانته. وإذا تكلم ظننته أرفعهم صوتا, لبلاغة حجته. ظن من صحبه أنه أحب الناس عليه..وظن من عمل معه أنه أقرب الناس إليه. ينصت حتى الملل..ولا يصدق حتى يتأكد..ويصمت حتى الضجر.. فإذا تحدث تسيد..صبور بلا سأم.. ولكنه إذا قرر حسم. خلقه الإسلام..وطبعه التأني والتأمل..حلمه وحدة كلمة المسلمين..وأمنيته الصلاة في القدس. مسلم غيور.. مصلح جسور.. بالدين ملتزم.. مع التطوير منسجم. قوي الإيمان.. عف اليد واللسان.. صبور على الزمان.. ثابت في المواقف والمكان. احترم نفسه فاحترمه الناس. زهد في الدنيا فأتته..وطلب الشهادة فاستعجلته.رحل ومازال معنا.. فيصل بن عبدالعزيز.) حقيقة لم نجد أصدق من هذه الكلمات الرائعة لسمو أمير منطقة مكةالمكرمة خالد الفيصل التي ألقاها في حفل افتتاح ندوة الملك فيصل التي نظمتها دارة الملك عبدالعزيز . لم نجد أصدق ولا أروع من هذه الكلمات لنستهل بها حديثنا عن جلالة الملك فيصل المعظم في هذه السلسلة التي نتحدث فيها عن الفيصل الشاهد والملك الشهيد والتي كنا قد بدأناها بحوار مطول مع نجله صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل .. فالأحرف تقزمت أمامنا والكلمات غابت عن ناظرينا ولسانانا قد ألجما كيف لا والكلام عن فضائل الفيصل ومنجزاته انما هو نقطة في بحر الفيصل فكل وصف فيه قليل كيف لا والكلمات عاجزة عن تخليد مآثره وتسليط الضوء على مناقبه فالفيصل العظيم أكبر من الكلام وأرفع قدراً ومكانة .. إلا أن كلمات بحرنا اللغوي وأديبنا المرهف نجل الفيصل الذي ورث عنه الكثير ونهل من معينه أكثر كانت الأقرب والأصدق فاقتبسناها وليأذن لنا أميرنا المحبوب صاحب السمو الملكي خالد الفيصل بهذه الاقتباسة . والآن آن لنا أن نعرج على أولى وقفاتنا على حياة هذا القائد العظيم الذي ملك القلوب وسحر الألباب والتي خصصناها بالحديث عن نسبه ونشأته فإلى التفاصيل : يعود نسب الملك فيصل كما جاء في جمهرة انساب الأسر المتحضرة في نجد للعلامة حمد الجاسر انه هو فيصل بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة ابن مانع بن المسيب بن المقلد بن بدران بن مالك بن سالم بن مالك بن غسان ابن ربيعة بن منقذ بن الحارث بن سعد بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود رحمه الله مؤسس وموحد المملكة العربية السعودية ولد في 20 ذي الحجة 1297ه الموافق 5 ديسمبر 1880م وتولى مقاليد الحكم 1319ه توفي الملك بمدينة الطائف في الثاني من ربيع الأول 1373ه 9نوفمبر 1953م. الأميرة طرفة بنت عبدالله بن عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ رحمها الله حفيدة الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب الداعية المصلح أمام دعوة التوحيد والإصلاح وتعد الزوجة الثالثة للملك عبدالعزيز وقد أنجبت له اثنين من الأبناء وهما الأميرة نورة الأولى والأمير فيصل وقبل أن تكمل أمه رضاعته توفيت وهو لم يبلغ بعد ستة أشهر من عمره وبتالي فهو لا يتذكر أي شيء عنها أبدا إلا أن الدكتور عبدالمحسن بن عبدالله آل الشيخ ذكر أن الفيصل قد أكرمه الله بمشاهدته والدته في المنام قبل وفاته, ويعد الفيصل هو الابن الخامس للملك عبدالعزيز. أجمعت كافة المصادر والروايات التاريخية التي ذكر فيها عدد من المؤرخين والباحثين ما أوردوه حول التاريخ المحدد الذي ولد فيه الفيصل في عام 1324ه1906م إلا إن تلك المراجع اختلفت في تحديد اليوم والشهر وان كان كثير منهم قد أجمعوا ورجحوا أن ولادته كانت في غرة شوال من العام الآنف الذكر في مدينة الرياض بحسب ما ذكر صلاح الدين المنجد حيث قال : (سمعت من جلالته بنفسي انه ولد في غرة شوال ,وقال أخطأ من زعم أني ولدت في صفر) كما يرجح هذا وجود وثيقة تنص على أن تاريخ مولد الأمير فيصل بن عبدالعزيز في شهر شوال سنة 1324ه,الموافق 1906م في مدينة الرياض وتقول الوثيقة الصادرة من المكتب الخاص بديوان نائب جلالة الملك في تاريخ 4ذي الحجة1370ه 6 سبتمبر ايلول1951م: (ولد حضرة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل آل سعود في شهر شوال سنة 1324ه,الموافق 1906م). ولابد لنا هنا أن نقف عند ما ذكره صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة في مسرد تاريخ الفيصل حيث ذكر ما نصه : ( وحسما لهذا الاختلاف فقد رأينا الرجوع في ذلك، إلى ما قاله الملك عبدالعزيز نفسه عندما سئل عن تاريخ ميلاد أبنائه) فقال: (إن سعود ولد يوم فتح الرياض، وفيصلا يوم ذبحة ابن رشيد، ومحمد يوم الحسا، وخالدا يوم جراب). حينما كان الملك عبدالعزيز يعيش فرحة النصر على ابن رشيد في واحدة من أهم واكبر المعارك التي قادها المؤسس لتوحيد الجزيرة التي خاضها وهي معركة (روضة مهنا) تلقى رسالة سارة مفادها أن زوجته الأميرة طرفة آل الشيخ قد أنجبت له مولوداً فسر الملك كثيرا بهذا النبأ واختار له اسم (فيصل) على اسم جده الإمام فيصل بن تركي الذي كان احد شيوخ منطقتي نجد والكويت حيث عرف عنه بالشجاعة والفروسية كما كان يحظى بسياسة الرجال والقبائل الأمر الذي جعل القبائل والعشائر تتناقل أخباره وتتحدث عن أمجاده وكانت تلك الأخبار والروايات تصل إلى الملك عبدالعزيز وبالتالي أعجب به وببطولاته ودهائه, ويروي قدري القلعجي في سفره (موعد مع الكرامة) أن الملك عبدالعزيز كان يرى في جده الإمام فيصل القدوة الصالحة التي يجب أن يقتدي بها, ومن هنا ارتأى الملك أن يسمي ابنه (فيصل) تيمنا بجدة الإمام فيصل بن تركي, وقد لمس الملك عبدالعزيز في ابنه منذ أن كان طفلا ذكاءه ونجابته وحسن فهمه لما يلقى عليه مما جعل الفيصل الابن المفضل عند أبيه الذي قال عنه: ( لقد كنا على حق حين سميناه باسم جده فيصل). وفي رواية أخرى تؤكد أسباب تسميته فيصل يذكر الأمير خالد الفيصل أن والده الفيصل رحمه الله سمي بذلك الاسم نسبة إلى جده لأبيه الإمام فيصل بن تركي أحد مؤسسي الحركة التي أدت إلى إنشاء الدولة السعودية، ومستندا على ما ذكره حسين طنطاوي في سفره (الفيصل الإنسان والإستراتيجية) فقد حدثني الشيخ محمد بن عبدالله بن عبداللطيف خال والدي الفيصل قال: ( يوم قتل ابن رشيد في معركة روضة مهنا أخذت خاتم ابن رشيد إلى الملك عبدالعزيز وهنأته بالنصر، فالتفت إليّ وقال: وأنت أبشر بولد، لقد جاءتني الآن رسالة من الإمام عبدالرحمن تبشرني بولد، وقد سميته (فيصل) على اسم جده). بعد أن توفت والدته الأميرة طرفة آل الشيخ في ربيع الأول 1325ه وهو لا يزال في الشهر الخامس من عمره يقول نجله الأمير تركي الفيصل تكفلت جدته لامه الشيخة (هيا المقبل) بتربيته ورعايته في بيت جده الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ الذي يعد من افقه العلماء في الرياض ومن المقربين إلى الملك عبدالعزيز والأكثر التصاقا به ونصحا له. ويضيف الأمير خالد الفيصل قائلا : انه سمع من المقربين المعاصرين أن جدة الفيصل حملته وخرجت به إلى وادٍ قريب من قريتهم خارج أسوار الرياض, ودعت ربها أن يكون لحفيدها شأن في أسرته وبين أقرانه, ومن العجيب أن هذا الوادي, هو نفسه المكان الذي خرج إليه الملك عبدالعزيز والأمراء وجمعا كبير من الأهالي يقدرون بخمسة آلاف رجل من ضمنهم كبار أهل الرياض, لاستقبال الفيصل هو عائداً على رأس جيشه من عسير في 21 جمادى الأولى 1341ه بعد نجاح المهمة الموكلة إليه بتهدئة الوضع هناك ووأد الفتنة التي أحدثها بعض المتمردين هناك . وبما أن الفيصل قد ترعرع في بيت جده عبدالله الذي تولى الاشراف على تربيته وتلقينه مبادئ العلوم الدينية والشرعية كالفقه والتشريع والتاريخ والأدب وسير الخلفاء الراشدين, وتطور الممالك الإسلامية حتى تشبع فكره بالمزايا الرفيعة وانفطر قلبه بالعقيدة الإسلامية وتنور عقله بالحكمة والتبصر وختم القرآن الكريم قبل أن يبلغ سن العاشرة من عمره فكان مهيئا لتولي المهمات والمسؤوليات الجسام في وقت مبكر من عمره لخدمة دينه ومليكه وأمته. وقد بقي الفيصل مقيما في بيت جده إلى أن سافر إلى أوروبا في المرة الأولى حين بلغ سن الثالثة عشرة من عمره في عام 1337ه بعدها انتقلت إقامته إلى بيت والده الملك عبدالعزيز وبهذا يكون الفيصل قد جمع بين فضائل البيتين فجمع بين العلم والدين والسياسة والشجاعة التي نهل منها من بيت والده وبيت جده الذي كانت وفاته خسارة فادحة ظل الفيصل يشعر بها ويتذكرها منذ أن كان عمره أربعة عشر عاما وحتى وفاته. ويشير الأمير تركي أن والده الفيصل تربى في مدرسة والده الملك عبدالعزيز إدارياً وسياسياً واجتماعياً وشارك في عدد من حملات توحيد البلاد في عهد الملك عبدالعزيز. وقد اهتم الملك عبدالعزيز بابنه الفيصل كثيرا حيث كان له الفضل الأكبر بعد الله في تكوين شخصيته وتكوين ثقافته وتربيته التربية السياسية والعسكرية الفذة التي أسهمت في ملامح شخصيته منذ وقت مبكر الأمر الذي لمسه وشعر به والده من المزايا والمواهب والطاقات المدخرة مما زاد في رعايته وزاد بالاهتمام بشؤونه. فقد كان والده الملك عبدالعزيز بعيد النظر فقد ربى أبناءه على التربية الدينية والعسكرية والسياسية متبعا في كل منها الأساليب التي جعلت منهم جميعا رجالا يتحملون حقا أعباء المسؤولية منذ نعومة أظفارهم كيف لا وهم خريجو أكبر جامعة في ذلك الحين وهي (القصر الملكي) الذي تربوا وتعلموا فيه ما جعلهم رجالا يعملون على رفع بناء هذا الكيان الكبير وتوحيد كلمة العرب والمسلمين والمضي قدما نحو رفع راية الإسلام والتوحيد. ويذكر الأمير تركي الفيصل ل(الندوة) أن الفيصل قد نشأ في بيئة تخلو تماما من الرفاهية فلم يكن مقدراً له أن يعيش طفولة طبيعية يلعب ويلهو فيها كغيره من الأطفال بسبب تلك الظروف الإقليمية والمحلية ذات الطابع الصعب التي جعلته يعيش في أجواء متعددة منذ وقت مبكر في حياته إضافة إلى مرارة الحرمان وعطف الأمومة التي حرم منها منذ أن رحلت والدته إلى الرفيق الأعلى فكان يعاني مرارة اليتم بفقدانها, ولهذا حرص والده الملك عبدالعزيز على أن يخفف عنه هذا الحرمان فاختصه دون إخوته بنوع من الرعاية الخاصة بالرغم من أن الملك عبدالعزيز كان يعمل على إشاعة التآلف الأسري والمحبة الأبوية بين جميع أبنائه. ظروف قاسية في بيئة صعبة كما يصف الأمير خالد الفيصل نشأة والده الفيصل والبيئة القاسية قائلا: انه لم يلق تدليلا, فقد أمضى طفولته الأولى في بيت جده, وحين عاد إلى بيت والده وجده بيتا عاديا, يأكل ويشرب ويلبس مثل باقي الناس, وفضلا على أن التدليل لم يكن ضمن مناهج التربية لدى الملك عبدالعزيز, فانه كان يرصد كل وقته وجهده من أجل انجاز مهمته التاريخية في توحيد البلاد, والسير بها إلى منهج الإسلام الصحيح. وبرغم من كل تلك الظروف التي نشأ فيها الفيصل يقول نجله الأمير تركي أنها كانت وراء ظهور علائم النجابة والذكاء الفطري المتوقد والذهن اليقظ القادر على الاستيعاب والتحليل والاستقراء فاستطاع أن يكون موضع اهتمام وتقدير والده الملك عبدالعزيز الذي كان يقول دائما(كنت أود لو رزقني الله مثل فيصل توأما).