لم يكن اكثر المتفائلين يتوقع ان يصبح مهاجم المنتخب الالماني ميروسلاف كلوزه على عتبة دخول تاريخ نهائيات كأس العالم لكرة القدم بعد ان امضى الغالبية العظمى من الموسم المنصرم على مقاعد الاحتياط في فريقه بايرن ميونيخ الالماني. راهن مدرب ال”مانشافت” يواكيم لوف كثيرا على التشكيلة التي اختارها لخوض مونديال جنوب افريقيا 2010 ولم يتوقع الكثيرون ان ينجح الالمان في الوصول الى ابعد من الدور الثاني لأن لاعبيه الشبان يفتقدون الى الخبرة المطلوبة في المحافل العالمية، في حين ان العدد القليل من المخضرمين في التشكيلة لا يرتقي الى مستوى الحدث والتوقعات ومن بينهم...كلوزه. استغرب المتتبعون والمحللون حتى قرار لوف في الاستعانة ب”المنهك” كلوزه خصوصا انه كان من المكملين للاعبين الذين جلسوا على مقاعد احتياط بايرن ميونيخ بعدما فضل عليه مدربه الهولندي في النادي البافاري لويس فان غال لاعبين مثل زميله الشاب في المنتخب توماس مولر والكرواتي ايفيكا اوليتش، خصوصا في ظل وجود الفرنسي فرانك ريبيري والهولندي اريين روبن وحتى ماريو غوميز الذين يكملون الكتيبة الهجومية لفان غال. راهن لوف على شبابه ونجح في ذلك، راهن على عناصر الخبرة المتمثلة بشكل خاص بكلوزه (32 عاما) ونجح في رهانه انطلاقا من المباراة الاولى امام استراليا عندما استعرض ال”مانشافت” ودك شباك استراليا برباعية، بينها هدف لكلوزه. لكن عاد الشك ليشق صدوره الى عشاق ومتتبعي المنتخب الالماني عندما اعاده نظيره الصربي الى ارض الواقع في المباراة الثانية بالفوز عليه 1-صفر في مباراة طرد خلالها كلوزه في الدقيقة 37، ما حرمه من المشاركة امام غانا في المباراة الحاسمة والمصيرية، لكن كرة صاروخية من الشاب مسعود اوجيل حملت “داي مانشافت” الى الدور الثاني للمرة السادسة عشرة من اصل 17 مشاركة، واعطت كلوزه فرصة التعويض بعد ان كان سببا اساسيا في خسارة منتخب بلاده امام الصرب. حصل كلوزه على فرصته للتعويض لكنه لم يكن يفكر على الاطلاق بانه سيكون على عتبة دخول التاريخ وان يصبح على بعد هدف واحد من مشاركة البرازيلي رونالدو في صدارة افضل هدافي نهائيات العرس الكروي العالمي بعد ان ساهم في قيادة بلاده لفوز كاسح على الانكليزي في الدوري الثاني (4-1) بتسجيله هدفا، ثم اضاف ثنائية في الفوز المدوي الاخر على الارجنتين (4-صفر) في ربع النهائي. ستكون الانظار موجهة الى كلوزه الذي سيكون على موعد مع التاريخ في حال وجد طريقه الى شباك الحارس الاسباني ايكر كاسياس اليوم الاربعاء على ملعب “موزيس مابهيدا” في دوربن لانه سيصبح افضل هداف في تاريخ النهائيات مشاركة مع رونالدو او قد ينجح في الانفراد بهذا الانجاز اذا سجل اكثر من هدف. رد مهاجم بايرن ميونيخ على مدربه فان غال بافضل طريقة وعادل امام الارجنتين رقم مواطنه غيرد مولر في عدد الاهداف المسجلة في النهائيات بعدما رفع رصيده في النسخة الحالية الى اربعة اهداف اضافها الى اهدافه الخمسة اهداف في مونديال كوريا الجنوبية واليابان عام 2002 ومثلها في مونديال المانيا عندما توج هدافا له. وكان رونالدو هز الشباك اربع مرات في مونديال 1998، و8 مرات في مونديال 2002 وتوج هدافا له، و3 اهداف في المانيا. “قوتي متمثلة بانني انجح دائما ان ارد على المشككين عند الحاجة، وباني اركز دائما على لحظة معينة”، هذا ما قاله كلوزه بعدما ساهم في الفوز الكاسح على الارجنتين، مضيفا “عندما لا تنجح هذه الطريقة، اعمل بجهد كبير وعندما تنجح الامور، كما الوضع حاليا، فاشعر بالسعادة لكني لا اتغير. قلت قبل البطولة: هدفي ان اسجل 5 اهداف (كما في 2002 و2006). اذا سجلت ستة سيكون الامر ممتازا. لكن اذا كان امامي الاختيار، فافضل ان اكون بطلا للعالم على ان اتفوق على رونالدو”. لا يعتبر كلوزه من الاشخاص الذين يتكلمون كثيرا لكن الاكيد انه يجيد لغة الاهداف: فمهاجم المنتخب الالماني الذي صنع نفسه بنفسه وسلك دربا صعبة قبل ان يفجر طاقاته، يقوم بهذا الامر بطريقة فعالة جدا. يعتبر مهاجم بايرن ميونيخ الذي احتفل بعيد ميلاده الثاني والثلاثين قبل يومين من انطلاق العرس الكروي، بنظر كثيرين بمثابة الظاهرة. تلمس كلوزه خطواته الاولى في بلاوداخ/ديديلكوبف في دوري الهواة قبل ان تكتشف موهبته الاندية في درجات اعلى. منذ تلك الفترة، شهدت مسيرته صعودا تدريجيا حتى بلغ القمة التي جعلته على مستوى الهداف الاسطوري غيرد مولر.يتميز هذا اللاعب باجادته الكرات الرأسية، وعندما يكون في كامل لياقته البدنية يستطيع ان يخدع خط دفاع المنتخب المنافس بأكمله، كما انه يملك حاسة تهديف عالية. غالبا ما يظهر كلوزه موهبته وتفوقه في البطولات الكبرى شرط ان يركز على بعض النقاط خلال التحضيرات التي يقوم بها. ولد كلوزه في اوبول في بولندا، وقد انتقل الى المانيا عندما كان في الثامنة من عمره، ويعتبر اليوم من اكثر العناصر خبرة في صفوف ال”مانشافت” في ظل غياب القائد ميكايل بالاك الذي اصيب قبل انطلاق النهائيات. وعلى الرغم من انه قدم موسما مخيبا للامال، فان لوف استمر في منحه الثقة بسبب الخبرة التي جناها في صفوف المنتخب الوطني والدور الثمين الذي يلعبه في صفوفه. بدأ كلوزه مسيرته الاحترافية بعمر العشرين عاما في الدرجة الثالثة مع الفريق الرديف لاف سي 08 هومبورغ، وبعد 12 شهرا، انضم الى صفوف الفريق الاحتياطيين في كايزرسلاوترن. لم ينتظر طويلا قبل ان تتم ترقيته الى صفوف الفريق المحترف. لفت هذا المهاجم الفعال والطموح الانظار خلال موسم 2001-2002، قبل ان ينتقل الى صفوف فريدر بريمن عام 2004 حيث ضرب بقوة في موسمه الثاني مع الفريق الاخضر عندما سجل 25 هدفا في 26 مباراة في الدوري المحلي، ليتوج هدافا لل”بوندسليغه” عام 2006 وافضل لاعب للموسم، لكن الغرور لم يشق طريقه اليه لانه بقي شخصا بعيدا عن الاضواء ونجح في الحفاظ على تواضعه بالرغم من النجاحات الكبيرة التي حققها، ما زاد من رصيده الشعبي لدى انصار المنتخب الالماني. انتقل الى صفوف بايرن ميونيخ صيف عام 2007 حيث شكل ثنائيا خطيرا في خط المقدمة الى جانب الايطالي العملاق لوكا توني ونجح في موسمه الاول بالحصول على لقب الدوري والكأس المحليين، مسجلا 21 هدفا في جميع المسابقات، ثم حافظ على وتيرته التهديفية في الموسم التالي مسجلا 20 هدفا لفريقه الذي خرج خالي الوفاض ما دفعه للتعاقد قبل انتقال الموسم المنصرم مع المدرب الهولندي لويس فان غال الذي اطاح بتوني من الفريق وابقى كلوزه على مقاعد الاحتياط في الغالبية العظمى من المباريات، ليكتفي الاخير بتسجيل ثلاثة اهداف فقط في الدوري و6 في جميع المسابقات. بدأ كلوزه مسيرته في صفوف المنتخب الالماني في اذار/مارس 2001 خلال مباراة ضد البانيا في تصفيات كأس العالم في ليفركوزن، حيث تألق من خلال تسجيله هدف الفوز قبل نهاية المباراة بدقيقتين، اي بعد ربع ساعة من نزوله الى ارض الملعب، ثم فرض نفسه من العناصر الاساسية في التشكيلة حتى وصل الى مباراته الدولية المئة، وهو الرقم الذي لم يصل إليه سوى خمسة لاعبين في تاريخ المنتخب الالماني وهم لوثار ماتيوس (150) ويورغن كلينسمان (108) ويورغن كولر (105) وفرانتس بكنباور (103) وتوماس هاسلر (101)، وهو يأمل ان ينجح مثل هؤلاء في رفع الكأس الغالية بعد اربعة ايام من الان. قد لا يكون كلوزه بحجم نجومية ليونيل ميسي، كريستيانو رونالدو، واين روني او فرانك ريبيري، لكن اين هم هؤلاء النجوم الذين ودعوا النهائيات وهم يجرون ذيل الخيبة، في حين ان “ميرو” اصبح على موعد مع التاريخ متفوقا من حيث عدد الاهداف المسجلة في النهائيات على عمالقة مثل البرازيلي بيليه (12 هدفا) والفرنسي جوست فونتين (13 هدفا).