هو قيمة رائدة وقامة عالية أديب وشاعر رسم على جبين الوطن لوحات غنائية تفيض بالروعة والجمال , فكانت كلماته العذبة رجع ذكرى الشباب الذي نما غراسه في حي سوق الليل بمكةالمكرمة جوار المسجد الحرام , ذلك الحي الذي شهد ميلاده وميلادَ أبي وميلادي , ذلك الحي الذي أنجب كوكبة من المبدعين في العلم والشعر والأدب والغناء والرياضة ومنهم الشاعر العلم الأستاذ إبراهيم خفاجي الذي أسمعت كلماته الغنائية من به صمم , فقد كان مدرسة أصيلة للفن الحجازي بجانب خُلقه الكريم وقلبه الودود الرحيم , فهو صديق والدي رحمه الله وصديقي منذ حداثة العمر , إذ كُنَّا نأنس بأحاديثه العذبة ونستلهم من تجاربه وخبرته وتشجيعه , ولكم كان يجمعنا مجلس والدي الشيخ محمد بن صالح باشراحيل (رحمه الله) مع إخواني تركي , وسمير , وفواز , ومازن ومجلس الخال مصطفى والخال إبراهيم زقزوق , كما كُنا نلتقي بقاهرة المعز تَلفُنُّا ليالي الأُنس والصفاء والحب بصحبة الفنان محمد السراج رحمه الله , والفنان سراج عمر , والفنان محمد شفيق , والأستاذ خالد طوله والخال مصطفى زقزوق , والخال إبراهيم زقزوق , والأخ رفقي الطَّيب , والأخ عبد اللطيف بوقري , والأخ عبد الله القباع , والأخ فهد بن نفيسه (رحمه الله) , والأخ علي العاصم , والأخوين عيضة وعبد الله الراشد الغامدي مع الفنانين فريد شوقي (رحمه الله) , وعادل إمام , وصلاح السعدني , وتلك أيام مضت من أعمارنا لم يبق منها إلاَّ الحنين والذكرى كما قال الشاعر الكبير شوقي: والذكريات صدى السنين الحاكي كنا نعتاد اللقاءات الجميلة مع أُستاذنا الكبير إبراهيم خفاجي وفي كل ليلة نتجاذب معه الأحاديث في شتى أنواع الفنون , فكان مُحدِّثاً لَبِقاً ومُثقَّفاً يُغريك بأسلوبه البديع وأدبه الجم الرفيع , وكم تغنَّينا بكلماته ونحن في ريعان الصِّبا على وقع رومانسية الخيال السابح على رقيق المشاعر , وهبوب النسائم المحمَّلة بأريج الورود وأنفاس الياسمين , والربيع الغض ينشر على العيون خمائل الرياض فتُشيع البهجة في القلوب , وشموع السعادة تُقيد حوالك الدروب , لقد فاض بنا الشوق إليك أيُّها المعلم النابه أُستاذنا الوقور إبراهيم خفاجي فصرنا نتسلى بروائع أُغنياتك في رجع صدى كلماتك التي لا زالت تُشنِّف الآذان والقلوب , وكانت كل أُغنية لها وقع في نفوسنا , وتأثير يؤرِّخ لأحداث عمرنا المترع بطيوف الحبِّ , وأغاريد العصافير , وشفيف الغيوم. أيُّها الواقف على ذُرا الأفنان , جئتُ أُناجيك في هَدْأَةِ العمر وفي اغتراب الشعور في الخلاَّن , جئت وعلى جبيني غبار السنين أتشوَّف إليك في غمرة النسيان , فأراك وقد قَدِمَ العهد ضياءً تُنير بهيم الظلام في الإنسان ,يا من أصْبَحْتَ كتاباً نقرؤه في كلِّ زمانٍ مشهودٍ وبكلِّ مكانْ. ها نحن كأضغاث الأحلام وقد دار بنا فلك الدنيا تُنهكنا ثارات الأيام , نهجع للصمت وأحياناً نتوارى خلف مدى الأوهام , نُحدِّق في زمن البلوى , نضحك نبكي نتعلَّلُ بالشكوى بالنجوى , أحيانا نسأل من نحن وما الآمال وما الآلام , وأحياناً نتعنَّى نتمنَّى نتظنَّى ونُحسُّ الوقت بلا معنى ونعيش على قهر الظُّلاَّمْ , ما كنت صدى صوت عابرْ , أو فكرك ما كان السَّادرْ , بل أنت حديث للأقلامْ , وأنت لمكة بُلبُلها الصّدّاح , وأنت النّابه واللماح , فكم كُنَّا نستلهم منكَ , وقد بدّدت ضباب الشَّك , ونروي للأجيال أحاديثاً بالحكمة عنكْ. يا صوت الأمس , ونبض اليوم , ويا غدنا الوارف بالحسِّ , نرودك في مغناك ولن ننساك فأنت نشيد بلاد الهمس , فما أسماك وما أنداك وما أبهاك. أتذكَّرُ أنّك كُنتَ تُحدثني عن جدي الشاعر عبد الله , عن حكمته عن فطنته وبلاغته عن بعض قصائده , منها أبيات تحفظها بالعِشرة منه , وترويها بالفرحة عنه , تقولُ يقول: دنيا دواهي والدواهي === مانصبر بلاهي والبلاهي وأنا أنتظر الباقي من شعر الشاعر جَدِّي عبدِ الله , يا من عاصرت كرام القوم وجالست النبلاءْ , يا صانع مجدِك بالحرف الوضَّاءْ , يا /ألفٌ/باءٌ/راءٌ/ألفٌ/هاءٌ/ياءٌ/ميمٌ/خاءٌ/فاءٌ/ألفٌ/جيمٌ/ياءْ . ما أروع اسمك في الأسماء , يا نخلة مكة أنت ويا ظلَّ مجالسها , يا بعض نفائسها , يا لحن معازفها , تُغريكَ نوارسُها بل سحر عرائسها , تلقاك فوارسها بجديد الفن وقد صاغوا أنغام اللحن , تصادت أسماءُ أساتيذٍ منهم : طارق عبد الحكيم , عبد الله محمد (يرحمه الله) , عبد الله الراشد , جميل محمود , يحيى لبَّان وكثير ممن أهدونا الفرحة بالألوان , مُذ كُنّا في عصر يُعلي الفنانْ , لا عصر نهيقٍ يُطلقه شعبانْ أو سعدانْ , عصرٌ يسترخص في الفن الأثمانْ , أضحى موصوفاً بالهذيانْ , فشتانٌ ما بين الأمس وبين الآن , قد ضاع الفن وضاع الدَّانْ , يا عصر الرّفس وعصر مصارعة الثيرانْ , يا صوت نشازٍ ذاع وهانْ , قد مات الفنُ وبالحسرة مات الفنانْ. لك سبحات بالإلهام العذريُّ تسُر , بقرض فصيح الشعر ,وحفظ تراث العهد البكر , مذ كان جدودي وجدودك وجدود الكل بمكة أهل الفكر ,فنحن بمكة غرس الدَّهر ,ونحن جذور أُصول الفخر , ونحن الزَّرع ونحن الماء ونحن التِّبر. أبا وجيه (هُوَّ دا حكم المقدَّر فيك يا أسمر , والاّ آخرتها معاك نفسك بتكبر) , أبا وجيه (خليك كدا أحسن يا زهرة السوسن , نصيحة من قلبي ترك الأسى أهون) , أبا وجيه ( قايم من النوم يا نومه الهني , لا قطوب لا ندى والخدود مورِّدا) , أبا وجيه (لك عرش في وسط العين) أبا وجيه (لنا الله) أبا وجيه (يا ناعس الجفن) أبا وجيه (مافي داعي من حنانك) أبا وجيه (أوقد النار ياشبّابها) أبا وجيه (يا حبيبي أنستنا) أبا وجيه (تعدّاني وما سلم) أبا وجيه (الشوفة معزوزة) أبا وجيه (من فتونك والدّلال شفت معنى الجاذبيّة) . أبا وجيه (لو كلَّفتني المحبة من عمري ما قد بقى , ما باح سرِّى ولا من هجركم أشتكي) . أبا وجيه (يا سما شوفي بُعدك غير الحال بعدك وأنت عايش لوحدك في السما) , أبا وجيه (عيونك لا تورِّيها لغيري لا تورِّيها) أبا وجيه (الرمش الطويل) أبا وجيه (أشوفك كل يوم وآروح عسى نظره ترد الروح) أبا وجيه (أنا المولَّع بها) أبا وجيه ( بالمحبة اللي بيني وبينك وفِّي دينك يا حبيبي) أبا وجيه (الله يمسيك بالخير قل لي ويش علومك) , أبا وجيه (لآخر لحظة من عمري أقول لك إنت محبوبي) , أبا وجيه (مالي ومال الناس) , أبا وجيه (الود طبعي) , أبا وجيه (لو سمحت المعذرة) , أبا وجيه (أشقر وشعره ذهب) , أبا وجيه (تصدق والاّ أحلفلك) , أبا وجيه: هذه بعض أثمار أغصانك الوارفة , قطفت منها بعضاً من الجنى الذي تذوقناه إحساساً وإلهاماً وأنفاساً وأنساماً , فوجدتها نفس إبراهيم خفاجي الحبيبة الطيبة الوادعة الصافية الصادقة , هذا هو إبراهيم خفاجي صورة مكةالمكرمة ولسان حالها وتاريخها , بصيفها وشتائها , بشموخها ووفائها , بترابها وجبال (النور , وأبي قُبيس , وجبل ثور , بالكعبة المشرَّفة , وزمزم الطاهر الطهور , بأحيائها , وعلمائها وأُدبائها ومُفكريها , وأسواقها وتراثها , بطيبة أهلها وناسها بعنفوانها وبأسها , بدينها وميراثها , بحجاجها ومعتمريها بعُمَدِهَا وحُرَّاسها , بليلها وصباحها , بمراكيزها , وكرويتاتها وعمائمها ولباسها , بأغاني اليماني , والصهبا والمزمار والمجرور والفُرعى والدَّانة والحَدري والموَّال والسِّيكا والبنجكة والحجاز والرَّصد والصَّبا , هذه مكةالمكرمة وهذا هو التاريخ منذ نبيَّ الله إبراهيم وابنه إسماعيل والعماليق وجُرهم وكِندة وخُزاعة وقُريش , ومن هنا ولد نبينا العظيم الصادق الأمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم , ومن هنا أشرق النور الذي شع برسالة الإسلام , إنها مكة أُم القرى ونحن أهلها بالحب الأبدي لها , وليس بعد هذا فخر لدُعاةِ الفخر . ولا يوجد مثل مكة على وجه الأرض , فلله الحمد أن جعلنا من أهلها العاملين لمرضاته , وله المنّة والشكر. من شعري: موطِنِي يا بحرَ أضواءٍ تجلَّى و مناراً بالهدى السَّامي تعَلَّى مكَّةُ الحبِّ و أعلامٌ تراءتْ وهَمَتْ وديانُها شمساً وظلا إنَّها رَجعُ بَراءاتٍ نَشَاوى و بها طينُ المُنى قد صار فلاَّ كم ضَحِكْنَا وعَدَونَا ولعِبنا وكبُرنا والمدى ما زالَ طِفْلا ولدى الكعبةِ طُفْنَا وابْتَهَلنَا و شَرِبْنَا الزَّمْزمَ الشَّهْدَ المُحلَّى ذاكَ ترْيَاقٌ يُداوي كلَّ داءٍ و طعامٌ للذي صامَ وصلَّى مكةُ النورِ وصوتُ الوحي نجوى وسبيلُ المصطفى طُهراً ونبلا أشرقَ الدينُ به صِدقاً وحقاًّ بَعْد جهلٍ أوسعَ الإنسانَ ذُلاَّ شعَّ في ( الإسراءِ و المعراجِ ) نورٌ قابَ قوسَينِ دَنَا ثم تدلَّى تسبحُ الأرواحُ في نهجٍ حنيفٍ يَتَصَادَى بالرضى بَدراً أَطلاَّ منذُ إبراهيمَ واسْماعيلَ شادا بالسَّنا البيتَ الإلهيَّ المُعلَّى مهدُ آبائي وأجدادي وقومي من بني جُرهُمَ قد طَابتْ مَحَلاَّ وندىً يَعْبَقُ بالإيمانِ زهواً و صدى التسبيحِ والقرآنُ يُتلى قبلةُ الإسلامِ تسمو بالبرايا أبد الأزمان إحساناً وعدلا موطني أمُّ القرى والنبل فيها إنّها مِن كلِّ ما في الكونِ أغلَى