بين الوقت والآخر وعقب كل صلاة .. أي ما أن يفرغ الإمام من الصلاة ويعتدل المصلون للتسبيح تفاجأ برجل كبير في السن .. وقد هز يده .. وأسدل شماغه .. وبدأ يشرح حكايته التي أودت به أن يقف أمامك أيها المصلي .. ويشتكي ضيق اليد ويبدأ يسرد لك الآيات والأحاديث التي تحفزك في تحسس جيبك وتكون جاهزاً عند خروجك من المسجد أن تمد يدك له وتدس ما استقطعته من المال .. ويبدأ هو يتحسس المبلغ ويقوم بفرزه أي الريال على حدة ، وكل فئة نقدية لها جيب خاص بها .. وهكذا .. وحكايات المساجد تظهر بين الحين والآخر ويتم التركيز فيها على المساجد الفاخرة أو تلك التي تزدحم بالمصلين لأن (الشحاتين أو المتسولين) لديهم القدرة في تصنيف الناس ويعلمون أن هذا الحي ومساجده يمكن أن يحصلوا منه بمبالغ لا بأس بها وهو أفضل من الحي الآخر ومساجده .. وفي هذه الحكايات هناك من يصدقها ويتفاعل معها وتراه يتفاعل معه رغم أن الذي يسرد حكايته أمام المصلين ذو بنية جسدية صحيحة كان بإمكانه أن يعمل أي عمل يدخل له دخل يقيه مد اليد .. ولكن يبدو أنهم شعروا أن كثيراً منا يتفاعلون ويتعاطفون معهم وبذلك أدرك هؤلاء (الشحاتين) أن حيلهم وما يحفظونه من آيات وأحاديث كطعم يستعطفون به الناس .. الغريب أن بعض أئمة هذه المساجد لا يحركون ساكناً ويتركون هذا أو ذاك يقف بعد الصلاة مباشرة ببدء خطبته العصماء القصيرة .. وبعضهم يخاطبونهم فوراً بالإمتناع عن ذلك ولا ادري أليس هناك تنسيق بين أأمة المساجد وبين الجهات التي تعمل على تصفية البلد من هؤلاء الذين لا نعلم صدقهم من كذبهم ولا ندري هل هو في حاجة للمبالغ التي تعطى له من قبل المصلين. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن السؤال في المسجد فقال: أصل السؤال محرَّم في المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة، فإن كانت ضرورة وسأل في المسجد ولم يؤذ أحدًا كتخطيه رقاب الناس، ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله ولم يجهر جهراً يضر الناس مثل أن يسأل والخطيب يخطب، أو وهم يسمعون علماً يشغلهم به ونحو ذلك جاز.] نقلاً عن غذاء الألباب للسفاريني 2/267. وقد وردت أدلة كثيرة تنهى عن التسول، وسؤال الناس من غير ضرورة أو حاجة ملحة.. منها: حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر). رواه مسلم. ليتساعد الجميع في إخفاء هذه المظاهر والعمل للحد من تكاثرها وعدم التجاوب مع المتسولين الذين لا نعرف أين يذهبون بهذه الأموال؟ ولا كيف يتم التصرف بها؟.. أما إذا أراد الواحد منا أن يجود على المحتاجين بما أجاد الله عليه فهناك أكثر من وسيلة آمنة وطرق صحيحة وسليمة لإيصال ما تجود به نفسه قليلاً كان أم كثيرا.