ليس كل تغيير بالضرورة هو تحسين لعمليات التقدم والإفراط في التغيير ليس قيمة عالمية، فللشعوب ثقافات لها قيمها وجذورها وترتبط بكينونة الشعوب، فثقافة التغيير في مجتمعاتنا العربية لها فلسفة خاصة انقسم حولها المجتمع إلى شقين شق مؤيد للتغيير بكل مدخلا ته والياته والآخر رافض له بكل معطياته وايجابياته والقلة هم الذين يريدون توازناً في عملية التغيير، وهذه الأخيرة تجد عدم الرضا والقبول من الطرفين السابقين. فالأول يعتبرهم عقبة في مجال الانطلاق والفئة الثانية تعتبرهم مساهمين في الخروج عن القيم. وموضوعيا ليس كل تغيير بالضرورة تحسينا على طريق التقدم، وليس الجديد بالضرورة أفضل من القديم. وليست المحاولات للدفاع عن معايير قديمة تعني التراجع ورفض الجديد لكن هناك اعتبارات لدى المجتمعات حول مواقفها الثقافية بالنسبة للجديد. فأغلب الشعوب العربية يشكل ماضيها أهمية ثقافية أكبر من الأهمية التي يتمتع بها الماضي في الغرب . وللماضي والتقاليد العربية مكان أكبر في تشكيل الشخصية العربية - سواء كانت متجسدة في الفرد أو الجماعة - من المكان الذي يشغله الماضي والتقاليد في الغرب. ونحن في مجتمعنا لا زلنا نمر بمرحلة التطور الاجتماعي والقومي الهام في ظروف تختلف عن الظروف التي مرت المجتمعات الأخرى بها. ونظرا إلى اختلاف هذه الظروف لذلك فنظرتنا إلى الماضي والجديد والقديم لا بد من أن تكون مختلفة عن نظرة شعوب مرت بهذه المرحلة. ونحن طالبنا بالتغيير ولا زلنا نطالب به ، نتطلع لأن يصبح كل شبابنا وشاباتنا ضمن عمالقة العالم وعباقرته. لكننا لا نريد أن تمس ثوابتنا ولا نريد أن نستبدل هويتنا ولا نريد أن يسيطر التقليد الأعمى على السواد الأعظم من شبابنا. لم يكن الاختلاط يوماً أمراً مرفوضاً دينياً ورغم أنه تمت أدلجة مجتمعنا عليه ما يقارب النصف قرن إلا أن القناعة لدى المتنورين والمثقفين كان لها دورها في ظهور الاختلاف الشكلي الواضح في الالتزام بغطاء الوجه والتواجد المشترك للنساء والرجال سواء داخل الأسر أو الانصهار في المجتمعات التي كان معظم السعوديين المثقفين يذهبون إليها ويرسلون أبناءهم لتلقي العلم فيها. لم تكن ضمن الموروث الثقافي من القصص الإسلامي ما يشير إلى عدم الاختلاط في الأمور العملية المختلفة، فهناك الكثير من القصص المنقولة منذ عصر النبوة والخلافة الإسلامية تشير إلى تواجد المرأة والرجل في كل مكان، وفي نفس هذا التراث المتوارث لم يكن هناك ما يشير للتفسخ في ارتداء الحجاب الإسلامي بين النساء، وهذه نقطة الخلاف التي نعيشها في مرحلتنا هذه. إن جميع أنواع التغيير التي دخلت على مجتمعنا السعودي وساهمت في تفعيل دور المرأة العملي خارج مؤسسات القطاع الحكومي وجعلتها جزءاً من عناصر مؤسسات العمل حققت طموح التغيير الذي سعى إليه المتنورون في المجتمع لكن ما لم يكن في الحسبان وما يرفضه غالبية المطالبين بدمج المرأة في قطاعات الأعمال هو خروج بعض النساء عن التمسك بالحجاب الإسلامي. فبدأت تظهر لدينا صور ونماذج تلاقي رفضاً مجتمعياً عالياً. وهذا بالضبط هو احد سلبيات التغيير فأصبح هناك تجاوز عما يتطلبه السياق المجتمعي القائم وهذا الإفراط لا يخدم الهدف الذي يسعى إليه المجتمع وقد يؤدي هذا إلى فوضى فكرية وتحلل فكري اجتماعي، تدفع بالمجتمع إلى تعاسة واحتضان أفكار وفلسفات تؤدي إلى ضباب فكري نتيجة ترك القيم الأصيلة والثوابت الشرعية، و نتيجة الإفراط والإسراع بالتغيير يجعل علاقة الإنسان ببيئته الاجتماعية وما حوله من الأشياء قصيرا، كما انه يدفع إلى التحلل الاجتماعي وتدمير الروابط الاجتماعية. فهل كل ما تمارسه فتياتنا الآن من خروج سافر للبعض وتخلٍ عن الحجاب الإسلامي داخل وطننا هو التغيير المطلوب لمجتمعنا؟ وهل هذا الخروج عن القيم وما حدده المشرع جزء من التغيير المطلوب؟ وما العلاقة بين الاختلاط في العمل. وترك الحجاب؟ لا أعتقد أن الحجاب يعيق الاختلاط ولا حركة المرأة في العمل وماهو دور مؤسسات التربية والتعليم بما فيها التعليم العالي في نشر الوعي مع موجة التغيير التي بدأنا بركوبها؟. إن ما يحدث لنا هو أحد أدوات التغريب فالتغيير غير المقنن والسريع وغير المقيد هو الذريعة التي يتعلل بها الغرب في محاولة التدمير العام والعشوائي للثقافات والهوية العربية فكيف تعي نسائنا ذلك؟.