لاشك أن اليوم المشهود هو يوم العرض الأكبر للعباد أمام الله وملتقى الأيام جميعا والحصيلة الأخيرة لكل ما قدم الانسان وما أخر وما أعطى وما أخذ ..انفطرت السماء، وانثترت الكواكب ، وسجرت البحار، وبعثرت القبور .. ونفخ في الصور فلبت الخلائق أمر الله قياماً إلى عالم آخر ، وكان حشراً على الله يسيراً. انه مشهد يرسم حركة الجموع من كل جنس ولون وأرض وهي تقف أمام محكمة عدل لا تقبل التأجيل ، ولو افتدى أحدهم نفسه بما في الأرض لو كان له ذلك، ولكن وجفت القلوب وخشعت الأبصار ، ووقف الناس حفاة عراة يغشاهم الصمت الرهيب فلا يسمع المرء منهم إلا همسا (وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً) انه اليوم المشهود ، تجرد الناس فيه من كل قريب وفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، وتفرد الله سبحانه بالقوة والحكم ونادى: (لمن الملك اليوم؟) وعنت الوجوه له وبلغت القلوب الحناجر واشرأبت الأعناق في خوف فأجاب جواب عزيز مقتدر (لله الواحد القهار). ودعا الداعي إلى شيء نكر ، فجاء المؤمن ، وجاء من أقسم أن لن يبعث الله من يموت ووضع الكتاب ، فأشفق منه المجرم ، ذلك أنه احصاء لا يعرف السهو والخطأ والنسيان ورقابة لا تعرف الكلل، وتساءل الناس : أين المفر؟ ، وكأني بالكون كله يجيب يومئذ: (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمنيه) الأرض غير الأرض والسماوات غير السماوات والمصير لا يعدو واحدة من اثنتين الجنة وقد أزلفت ، والجحيم وقد سعرت ، جنة ذات ظلال دانية ، وقطوف مذللة، وعطاء غير مجذوذ ونهاية موفورة بالرضا والنعيم ، ونار ذات أحشاء متقدة، وزفير ملتهب وشرر متدفق وضرب الصراط على متن جهنم ، وهو جسر مثل حد السيف لا يتأخر عنه أحد من الأولين والآخرين (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا) ودعوة الملائكة والرسل حوله ..اللهم سلم سلم ، أقوام تمر عليه كالبرق ، وأقوام تمر كالريح ، وآخرون يمرون كعدو الفرس وهرولة ومشياً، وأقوام تحبو على وجوهها وأيديها وأرجلها ، وإنما هي أعمالهم ، فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. يوم عرفة الذي هو من أفضل الأيام عند الله يوم يجتمع المسلمون فيه في بقعة واحدة على نسك موحد بلباس موحد وشعار موحد وصوت موحد يجلجل بالتلبية لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، إنه يوم عرفة يوم يقف فيه حجاج بيت الله الحرام على صعيد عرفات بقلوب خاشعة وعيون دامعة تاركين مظاهر الدنيا متجردين عن متع الحياة وملذاتها مقبلين، إن يوم عرفة يوم عظيم فأكثروا فيه من الدعاء والذكر والتكبير والتحميد والتهليل فقد قال صلى الله عليه وسلم (خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا ا لله وحده لا شريك له ،له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير) ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا انك أنت التواب الرحيم وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.