أكد معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ أن الدعوة إلى الله من أفضل العبادات ، بل عدها جمع من أهل العلم هي أفضل العبادات ، لأنها تشتمل على أنواع الأفضلية ، بينها الجهاد في سبيل الله، والمجاهدة بالقرآن يعني بالدعوة إلى الله بالقرآن والسنة التي هي بيان للقرآن ، وأنها عبادة متعدية النفع ، يتعدى نفعها إلى الناس في بلد الداعية مشيراً إلى أن الدعوة مأمور بها . واستشهد بقوله تعالى ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجادلهم بالتي هي أحسن) وقوله جل وعلا ( قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله ) وفي الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (لأن يهدي بك الله رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، يعني الإبل الحمراء غالية الثمن . وأبان معاليه أن الدعوة سمة هذه الأمة وسمة أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - ، قال تعالى ( قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) ، كما قال تعالى : ( ولذلك فادعُ واستقم كما أمرت ) ، مؤكداً أن الدعوة إلى الله عبادة عظيمة من العبادات التي يتقرب بها إلى الله - عز وجل - ، ، أو في خارج بلده ، أو ربما من تأثر به ، إلى قيام الساعة . وبين أن الدعاة على نوعين ، منهم من يدعوا وفق السنة ، مع الأخذ بما جد في العصر من اجتهادات لا تُخرج عن إطار التزام السنة والجماعة ، وطرائق السلف الصالح ، والصنف الثاني أراد أن يدعو لكن هذه الدعوة كانت على وفق الأهواء ، والاجتهادات دون رجوع من العلم إلى ركن وثيق ، فتعددت الأهواء ، وتعددت المشارب فصارت الدعوة بدل أن تكون منهاجاً واحداً صارت مناهج شتى ، وطرائق مختلفة وكلٌ يدّعي صوابه فيما يأتي وفيما يذر ، مشدداً على أن العناية بالتأصيل فيه عصمة للعقل والقلب من الوقوع في الغلط . مراجعة النفس جاء ذلك في محاضرة ألقاها معاليه مؤخرا في جامع الإمام تركي بن عبدالله في الرياض بعنوان :(تأصيل المنهج الدعوي في ضوء الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح) وذلك بحضور سماحة مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ ، . وحذر الداعية إلى الله من أخذ الأجر على دعوته ، وقال ( ليحذر أن يقول بثمن، وأن يتكلم بثمن ، وأن يشارك بثمن ، وإذا غلب على نفسه شيء من ذلك ، أو من الحاجة فليراجع نفسه أن يكون مصيباً في قوله ، والدعوة تختلف عن القرآن وتعليم القرآن ، الدعوة لها أحكام ، لها حكم في ذلك غير التعليم – تعليم القرآن - ، لذلك أجاز العلماء أن يأخذ الداعية رزقاً لا أجراً ، يأخذ مكافأة من بيت المال يقرها ولي الأمر مكافأة غير مشروطة على قيامه بهذا الواجب الكفائي ، لأن الله سبحانه وتعالى قال ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) ، فأمر بأن يكون منا عدد كافٍ يدعون إلى الخير ، فإذا أخذ رزقاً يعينه على القيام بذلك ، وليس أجراً مقيداً بساعة ، أو مقيداً بيوم أو مقيد بشيء معيناً يقوله ، فإنه لا حرج عليه في ذلك . وأوضح أنه كلما كان قلب الداعية معلقاً بالله - جل وعلا - ، كان منهجه في دعوته مؤصلاً وفق طريقة محمد بن عبدالله - عليه الصلاة والسلام . وأبان أن الدعوة إلى الله اسم عام يشمل كل وسيلة من وسائل إبلاغ الدين الحق إلى الناس سواءً كان ذلك بالتعليم ، أو كان بالتأليف ، أو بالتدريس ، أو بالذهاب إلى القرى ، والبوادي ، أو بإلقاء المحاضرات ، أو بالمشاركة في وسائل الإعلام ، فكل وسيلة فيها إبلاغ للدين الحق للناس فهي دعوة إلى الله تعالى ،والدعوة إلى الله كل يدعيها ، مناهجها شتى ، والمنتسبون إلى الدعوة طرائقهم شتى ، لكن هذه الطريقة، وهذه المناهج قد تكون بعيدة تماماً عن الكتاب والسنة ، وطرق سلف الأمة كوسائل دعوة غلاة الصوفية ، والمريبين ، والأحزاب السياسية البحتة التي استخدمت الدين وسيلة لدعوة الناس إلى مفاهيم سياسية ليس فيها تعبد لله ، وليس فيها إيضاح للدين الحق لله وأشباه ذلك ، فإن هذا متعدد ، فيبعد أصحاب الدعوة ويقربون . وبين معاليه أن من المجاهدة المهمة أن يحرص المسلم الداعية على أن تكون وفق كتاب الله ، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفهم السلف الصالح ، لأن الله - جل وعلا يقول ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار) ، وهذا جعل الذين اتبعوا الصحابة بإحسان جعلهم مشمولين بنفس الفضل، أو بالفضل نفسه ، فذكر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان يدخل فيه الصحابة الذين تلو السابقين ويدخل فيه من تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة ، مشيرا إلى أن السلف الصالح هم الذين شهد لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاح ، وهم القرون الثلاثة المفضلة ، الذين قال فيهم : (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) ، وذكر قرنين أو ذكر ثلاثة قرون ، وهذا يعني شدة الاستمساك بما كان عليه أولئك . بعد ذلك تحدث معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ عن سمات وصفات منهج الدعوة إلى الله وفق الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح ، فقال (إن أول هذه السمات معرفة أن الدعوة إنما هي لله ، يعني الإخلاص لله بالدعوة ، وأن الدعوة ليست لأحد ، إنما هي تقريب الخلق إلى الله - جل وعلا - ، وجعل الخلق يحبون الله سبحانه ويعبدونه وحده لا شريك على سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، ولهذا قال تعالى : ( قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله ). أما السمة الثانية فلخصها معاليه في أن تكون الأولويات واضحةً عند الداعية في المنهج الدعوي في الكتاب والسنة ظاهر الأولويات ، مستشهداً بما جاء في حديث معاذ - رضي الله عنه- حينما بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن . الاتباع لا الابتداع وقال معاليه ( إن هذا الحديث ظاهر الدلالة في أن الدعوة تكون إلى توحيد الله تعالى أولاً ، والتوحيد يكون الدعوة إليه إجمالاً وتفصيلاُ ، و يدخل في ذلك كما ذكرنا تعليم العقيدة الصحيحة ، ونشر مؤلفاتها وأشرطتها وبيان ذلك للناس في كل مكان عن طريق الوسائل الحديثة الانترنت ، ووسائل الإعلام ، والقنوات إلى آخر ذلك ، فإن هذا من أعظم القربات التي نقتدي فيها بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ). وأفاد معاليه أن من السمات أيضاً الحرص على الإتباع وعدم الابتداع ،والاعتناء في التربية بالعلم ، فهناك من يعتني في التربية الدعوية ، وبالسلوكيات ، أو يعتني في أن يفهموا الواقع المحلي ، أو الواقع الدولي ، أو أن يفهموا محاسن الإسلام ، أو أن يفهموا التقارير المتعلقة بأوضاع الحكام ، أو الدول ، أو المستجدات . ولفت النظر إلى أن من سمات منهج السلف الصالح في الدعوة والعلم ، العناية باللغة العربية ، لذلك انتشرت اللغة العربية ، وفقه اللغة العربية حتى كان من أبناء الأمم الأخرى من أصّل لنا قواعد اللغة العربية ، وذلك لعنايتهم بها ، واشتداد اهتمامهم بها ، لهذا تجد اليوم الصالحين من أهل العلم في مشارق الأرض ومغاربها يحرصون على تعليم الناس هذه اللغة العربية ، مشدداً معاليه أنه لا يمكن أن يكون داعية بصيراً في دعوته لا يعلم اللغة العربية ، وهذا مما يؤكد أن يعتني الدعاة اليوم في المراكز الإسلامية ، وفي المؤسسات والجمعيات في مشارق الأرض ومغاربها أن يعتنوا في العلم والعمل باللغة العربية فإنه لا قوة للإسلام إلا بقوة أهل العلم وأهل الدعوة ، ولا قوة لأهل العلم ولا لأهل الدعوة إلا بقوتهم في اللغة العربية . وعدد معاليه سمات السلف الصالح في الدعوة وذكر منها الانضباط العلمي، المشتمل على ثلاثة عناصر ، الأول ، العلم وهذا مهم وهو الأصل ، و الثاني الخلق المتمثل في مهارة التعامل مع الناس وكيفية تعامل الداعية مع الناس ، والثالث المهارة , والاعتناء بالوسطية والاعتدال , والاعتماد على النصوص الشرعية وعلى القواعد المأخوذة من النصوص من كلام أهل العلم , والوسطية والاعتدال . ولفت معاليه النظر إلى أن السلف الصالح كانوا في دعوتهم دعاة إلى الجماعة وإلى نبذ الفرقة فكل وسيلة من وسائل اجتماع الناس ، لأن الاجتماع هو اجتماع في الدين ، كما أنهم ليسوا مع أهل الجفاء بجفائهم ، وليسوا مع أهل الغلو في الدعوة ولا في العمل ولا في العلم ، وليسوا مع أهل الجفاء في الدعوة أو في العمل أو في العلم ، وإنما هم وسط بين ذلك ، ، فكذلك هم في منهاج الدعوة وسط بين طرفين وهذا ما جعل دعوتهم قابلة للانتشار والبقاء. لأنه بالتجربة كل دعوة خرجت عن منهاج السلف الصالح بغلو أو بزيادات أو بشيء من المبالغة ، فإنه لا يكتب لها الاستمرار, مشيرا إلى حرصهم على الرد على الشبه في الدين ، فعندهم الردود العلمية على المبطلين المخالفين في العقيدة المخالفين في لزوم الجماعة . وفي هذا السياق ، حث معاليه الداعية والخطيب في خطبته على الحرص على ما يبعث الفأل في الناس ، ويقلل من اليأس ومن الترهيب الذي يخيف فيكون بقدره ، لذلك تجد في القرآن وصف الجنة أكثر من وصف النار ، والترغيب أكثر من الترهيب ، مستشهداً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( بدأ هذا الدين غريباً وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء). وخلص معاليه إلى القول ( إن السائرين على منهاج السلف الصالح وبما دل عليه الدليل من الكتاب والسنة يتسمون بسلامة ألسنتهم وصدورهم من الوقيعة في أهل العلم ، أو أهل الدين أو من بغضهم وشنئان ، وهذا من المهمات لنجاح الداعية في دعوته، لذلك سلامة اللسان وسلامة الصدر من سمات الداعية على ذلك المنهج ). بعد ذلك أجاب معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ على اسئلة واستفسارات الحضور ، ثم عقب سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ على ما جاء في محاضرة معاليه .