تحرص حكومة خادم الحرمين الشريفين ممثلة في جميع الجهات المعنية بالحج ومنها مؤسسات الطوافة على تقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن وتوفير كافة الإمكانات اللازمة وبذل أقصى الجهود الممكنة حتى يؤدي حجاج بيت الله الحرام حجهم بيسر وسهولة وأمان ،وهي مسئولية إدارية وتاريخية واجتماعية وأمانة دينية وأخلاقية ووسام شرف لمن كلفوا بخدمة حجاج بيت الله الحرام . وفق هذه الرؤية السديدة سارت المملكة العربية السعودية في تقديم الخدمات لحجاج بيت الله الحرام , فمنذ تولي المؤسس الأول الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وحتى يومنا هذا بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله ، والذي بتوجيهاته المباشرة أقيمت كافة المشاريع التطويرية والصروح الحضارية العملاقة مثل مشروع جسر الجمرات وتوسعة المسعى .. وغيرها من المشاريع التي أبهرت حجاج بيت الله الحرام وخاصة القادمين لأول مرة أو الذين لم يحظوا بشرف الحج منذ عشرات السنين . بحيث أصبحت المقارنة بين الصور الذهنية القديمة والواقع المبهر تمثل بعداً آخر لا يصدقه إلا من شاهد بأم عينيه تلك المشاريع التي سهلت أداء المناسك وأداء الشعائر لحجاج بيت الله الحرام .. ومواكبة لهذه الخطط التطويرية تقوم مؤسسات الطوافة بدور بارز في تقديم خدمات راقية لحجاج بيت الله الحرام فقد استوعبوا الدرس ولمسوا طموح القيادة الذي لا يقف عند حد ، ومن هذه المؤسسات الرائدة مؤسسة جنوب آسيا التي حققت قفزات تطويرية في كافة المجالات بفضل إخلاص القائمين عليها في مجلس إدارتها واعتمادهم النهج العلمي في تقديم الخدمات ، حيث وضعت الخطط التشغيلية وفق منظومة التقنيات العلمية، وأديت المهام بروح تعاونية صادقة لالتفاف العاملين بها حول القيادة واستشعارهم لروح الأبوة الصادقة من قائدها الأول فتسابقوا على الاستنارة بآرائه والاستفادة من توجيهاته في تنفيذ الخطط وتصريف وإدارة الأعمال ، وبهذا تحققت إنجازات ونجاحات ليس فقط للمؤسسة الأم بل ولكافة مكاتب الخدمة الميدانية التي حصلت جميعها على شهادة الآيزو العالمية في خدمة الحجاج . ولكن لم تكتف هذه المؤسسة الرائدة بتقديم الخدمات والتسهيلات لضيوف الرحمن بل اتسع طموحها ليشمل الجوانب الثقافية والفكرية أيضاً، والمتصفح للتاريخ الفكري الثقافي في مؤسسة جنوب آسيا يجد أنه يزخر بالكثير من الإنجازات الثقافية والفكرية التي أصبحت مفخرة ليس لمؤسسة جنوب آسيا فقط بل ولأبناء مكةالمكرمة بصفة عامة . ولم أقصد هنا فقط قاعتها الكبرى التي خصصت لاستقبال كافة الفعاليات الثقافية والفكرية والأدبية الرجالية والنسائية ، والتي وضعت كافة التسهيلات التقنية والبشرية تحت تصرف الأساتذة ورجال الفكر والأدب لتقديم المحاضرات والندوات وورش العمل في كافة الميادين ومنها ميدان التدريب على مهنة الطوافة للارتقاء بالخدمات المقدمة لضيوف الرحمن . بل لم أقصد أيضا متحف الطوافة الذي يحكي قصة تاريخ مهنة الطوافة عبر السنين للحافظ على إرث تاريخي عظيم لمكةالمكرمة ، حتى أصبح هذا المتحف مفخرة لجميع المطوفين في كافة مؤسسات الطوافة مما حدا بالكثير منهم أن يصحب حجاجه للمؤسسة لمشاهدة ذلك المتحف ومنهم على سبيل المثال لا الحصر سعادة أخي الفاضل الأستاذ أحمد صالح حلبي من مؤسسة حجاج تركيا وأوروبا الذي قام بمرافقة الوفد الإعلامي التركي خلال موسم الحج المنصرم لزيارة متحف الطوافة لرغبتهم في التعرف على المهنة وعلى بعض معالم مكةالمكرمة منذ قرون مضت ، حيث كما قال في مقاله بعنوان: (مؤسسة جنوب آسيا شرف للمطوفين) في صحيفة الندوة يوم الأربعاء 26/12/1429ه العدد 15240 : (.. لم أجد مخرجاً مقنعاً ومستندا قانونياً للإجابة على أسئلتهم سوى مؤسسة جنوب آسيا) فكان المتحف والمعرض الشامل والمكتبة المركزية وقاعة الرواد هي المصادر العلمية والتاريخية التي تشبع نهم المثقفين والباحثين والمؤرخين والإعلاميين ، وهي الروافد الثقافية لمهنة الطوافة . حقاً إن ما أعنيه من اهتمام المؤسسة بالنتاج الفكري والثقافي في المؤسسة هو الإصدارات التوعوية والمؤلفات العلمية والدينية ، والوثائق التاريخية والإعلامية وكذلك الإصدارات والنشرات المتخصصة في مجال خدمة ضيوف الرحمن ، وهي كثيرة ومتنوعة مما حدا بمؤسسة جنوب آسيا إلى توثيقها ورصدها في مؤلف أطلق عليه : ( إصداراتنا .. إبداعات وتطلعات ..) والذي أسند إعداده لسعادة د. أول خير عمر سراج، حيث ضم بين دفتيه جميع إصدارات المؤسسة من عام (1418ه - 1425ه) وقد وفق الكاتب في تنظيم الإصدارات وترتيبها وحسن التلخيص والتعليق على المؤلفات والمنشورات حتى أعطى القارئ فكرة واضحة عن المؤلف وأهدافه ، كما جاء الإصدار في حلة قشيبة فاخرة وإخراج فني رائع يتناسب مع مكانة المؤسسة ومنزلتها الرفيعة .. وقد خصص القسم الأول منه للإصدارات الإرشادية الدينية التي تهدف المؤسسة من خلالها إلى تقديم التوعية الدينية وخاصة ما يتعلق منها بشعائر الحج كما في مؤلف : ( حجة الوداع - وزاد من التقوى) للشيخ عبدالحليم السلفي وفي مؤلف الدليل المختار في الحج والزيارة والاعتمار لسعادة د. مسعد محمد الديب ، بل عنيت المؤسسة بالأحاديث النبوية الشريفة للارتقاء بالإنسان المسلم وتهذيب شخصيته من خلال تبنيها لبعض المؤلفات مثل: (شرح رياض الصالحين) للشيخ محمد علي الصابوني ، و(التفسير الواضح الميسر ) . وفي القسم الثاني : وضعت الإصدارات الوثائقية التي تؤطر لمهنة الطوافة ، مثل إنجازات وطموحات ، والسجل الذهبي، وأعلام الطوافة ، وهي مؤلفات تحكي قصة الإنجازات العظيمة التي تحققت عبر تاريخ مهنة الطوافة والمراحل التي مرت بها وعناية الدولة بخدمات الحجاج ثم جهود المؤسسة ومكاتب الخدمة الميدانية في مزاولة المهنة . ثم خصص القسم الثالث للإصدارات الإعلامية منذ أول إصدار عام 1414ه وهو (صوت المؤسسة) والتي تم تطويرها وتسميتها نشرة ( أضواء) .. ثم تطورت أضواء من نشرة إلى مجلة نصف سنوية أيضا ، كما ضم هذا القسم (جهود مجموعات الخدمة الميدانية) وهو عبارة عن الأحاديث والحوارات الصحفية التي أجراها أفراد مجموعة العلاقات العامة بالمؤسسة مع كافة مجموعات الخدمة الميدانية وذلك لإلقاء الضوء على جهودهم والاستفادة من خبراتهم في مجال الطوافة . كما خصص القسم الرابع من الإصدار للخطط التشغيلية بالمؤسسة وتوصيف المهام بدقة حيث يلحظ القارئ تطور الأعمال الخدمية المقدمة لضيوف الرحمن ، وتفادي السلبيات السابقة وتدعيم الإيجابيات ، كما اشتمل على إصدارات قسم الحاسب الآلي للتعريف بالبرامج الحاسوبية المختلفة التي تم تصميمها حيث أولت المؤسسة جل اهتمامها بالجانب التقني واستخدام الشبكة العنكبوتية في جميع خدماتها منذ إبرام العقود وتوزيع الحجاج مع بعثات الحج إلى الاستقبال في المطار مرورا بالإسكان في مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة والنقل والتصعيد والتفويج .. وغيرها من الخدمات . كما قامت المؤسسة بإصدار مؤلف عن التنظيم الجديد للمؤسسة ( العقد الموحد) وهو الأسلوب التنافسي الذي انتهجته المؤسسة بين مكاتب الخدمة الميدانية لتقديم خدمات متميزة لحجاج بيت الله الحرام ، وهو أسلوب علمي موثق يمكن أن تستفيد منه جهات أخرى في تطوير خدماتها . كما اشتمل أيضا على كتيبات إرشادية لتنفيذ الأعمال وأداء المهام والخدمات ومنها (الوافر في إسكان المشاعر) وتقنين الخدمات في مشعري منى وعرفات) بإشراف المهندس زهير سقاط . واشتملت الأقسام الأخيرة من هذا الإصدار على الملصقات والمطويات الإرشادية والتوعوية للحجاج لتوجيههم في المجالات الدينية والصحية والاجتماعية والأمنية وبمختلف اللغات. وقد حرصت المؤسسة على توزيعها على مكاتب الخدمة الميدانية التابعة لها لوضعها في مواقع بارزة بالقرب من مساكن الحجاج ومقارهم. كما اشتمل على أنواع الخرائط التي اهتمت المؤسسة بإعدادها وتصميمها والمخططات والكروكيات التي أعدت لمساعدة الحجاج على التعرف على مواقعهم وأماكن سكنهم بإشراف سعادة المهندس زكي حريري ولتوضيح مقار مكاتب الخدمة الميدانية وربطها بالمؤسسة الأم ومواقع مساكن الحجاج حسب بعثات الحج والحملات السياحية ، وقد تم توزيعها على كافة العاملين في مكاتب الخدمة الميدانية ، وكذلك على حجاج ورؤساء البعثات والحملات ، للتواصل بين الأماكن المختلفة . هذا كله بالإضافة إلى الاستعانة بأحدث وسائل تقنيات العصر الحديثة حيث قامت المؤسسة بحجز مساحة كبيرة من اللوحات الإلكترونية في مداخل مكةالمكرمة في ميدان زمزم وبالمنطقة المركزية بجوار الحرم لتقديم التوعية الإرشادية للحجاج وبلغات مختلفة . هذا غيض من فيض .. مما تقدمه مؤسسة جنوب آسيا في مجال الفكر والثقافة وفي كافة المجالات الدينية والتاريخية والمهنية والإنسانية .. وهو مصدر فخر ليس لأبناء مكةالمكرمة فقط بل للمملكة العربية السعودية كدولة راعية لخدمات الحج والعمرة: بأن تقوم مؤسسة خدمية برعاية مجال الفكر والثقافة على هذا النحو المشرف. تحية لكل العاملين في هذه المؤسسة المعطاءة وعلى رأسهم قائدها سعادة الأستاذ عدنان محمد أمين كاتب الذي رسَّخ دعائم هذا الصرح الشامخ وعمل على توثيق إنجازات مهنة الطوافة لتبقى في ذاكرة التاريخ مصدر إلهام للأجيال القادمة .. لتستفيد من الخبرة السابقة وتضيف عليها إبداعات أخرى بما يحقق الأهداف والآمال الكبيرة في خدمة حجاج بيت الله الحرام . لذا فإنني أرى لزاما على هذه المؤسسة متابعة أعمال التوثيق لما بعد عام 1425ه خاصة وأن هناك الكثير من الإنجازات والإنتاج الفكري والثقافي الذي أصبح حقيقة على أرض الواقع ويستحق التسجيل والرصد أيضا.. نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه . [email protected] مطوفة / ومشرفة تربوية