عن فضل الإخلاص وأهمية إصلاح السريرة وتحسين النية ما روته عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يُخسف بأولهم وآخرهم) قالت : يارسول الله كيف يُخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم ؟ قال : (يُخسف بأولهم وآخرهم ثم يُبعثون على نياتهم) . والإخلاص يؤدي إلى تحسين النية على الدوام ، وأن يلازمها المتربي في ذهابه وإيابه ، وأثناء مقامه بين الصالحين أو بين الفاسقين ،عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال صلى الله عليه وسلم: (يعوذ عائذ بالبيت فيُبعث إليه بعث ، فإذا كانوا ببيداء من الأرض خُسف بهم ، فقلت : يا رسول الله : فكيف بمن كان كارهاً ، قال : يُخسف به معهم ، ولكنه يُبعث يوم القيامة على نيته). ومن الإخلاص الإسرار بالعمل عن المخلوقين، وعدم المباهاة به ، أو التفاخر به من أجل المدح والثناء ، إلا أن هناك حالات يقوم فيها المتربي بإظهار العمل ، ومع ذلك فهو لا يغادر الإخلاص ولا يتخلى عنه أبداً ، فكثير من الأعمال يقوم بها المتربون في الحرم والمكان مليء بالطائفين والمصلين ولا يمنع ذلك من إخلاص الأعمال . يقول الحارث المحاسبي : « لا يبدي الصادقون من أعمال الجوارح إلا ما كان إبداؤه أقرب إلى مليكهم - سبحانه وتعالى- ولو أمكنهم القربة بذلك من غير إظهار لأعمالهم لم يظهروها ، لأنهم قانعون بعلم من يعاملون ، ولكن لا يمكنهم ذلك لخلتين : إحداها: أن من الأعمال ما لا يمكن فعله سراً ،وقد مدح الله سبحانه السر والعلانية ، فالسر أفضل ما أمكن العمل سراً ، فإذا لم يمكن فالعلانية أولى من ترك العمل . والخلة الثانية: أنهم قد يمكنهم العمل سراً ، ولكن أظهروه للقدوة من غيرهم بهم ، رغبة في أن يصيبوا مثل أجور من اقتدى بهم مع أجورهم . وليست القدوة لكل أحد تجوز في أكثر الأعمال ، ولكن لمن قوي على دفع التصنع في وقت عمله وبعده ، ومن كان موضعاً للقدوة. فالمربي قد يظهر العمل أمام المتربين ، مع ذلك ينبغي أن يحاسب نفسه ، وأن يؤكد عليها أنه لا يبغي الثناء والمدح من المتربين أو من غيرهم ، ولكنه إنما يفعل ذلك لكي يريهم من نفسه ما يكون مجالاً لتعليمهم ، ومن ثَم الاقتداء به .