لأننا جميعاً مشاريع فجائع زمنية نستذكر بعضنا بعضاً ، ويبكي بعضنا بعضاً ، ويدفن بعضنا بعضاً ذلك ناموس الأرض وأمر الله ولن تجد لأمر الله تبديلاً ، ولا لمشيئته وقدره تحويلاً ، وليس للإنسان حول ولا قوَّة ولا تبديل لكلمات الله إلا الدعاء إلى الله بأن يتقبَّل موتانا بقبول حسن وهو أهلٌ للحسنى وأن يحشرنا وإياهم في زمرة الصالحين ، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . حقيقة ألِمتُ على فراق الأستاذ الأديب (هاني) الصديق الذي قضينا وإيَّاه ردحاً من الزَّمان في رياض الغربة الدنيوية ، كنا نتقاسم أنفال الوقت من موائد الحياة حباً ، ووفاءً ، نعم لقد رحل الأخ الصَّديق هاني عن عالم البغضاء ، والشَّحناء ، والأحقاد ، إلى عالم الصدق ، والبهاء ، والصفاء ، عالمٌ تسوده رحمة الرحمن الرحيم ، وعطاء الجواد الكريم ، وجمال لم ترهُ عينٌ قط ولا يتبادر إلى خيال بشر عند مليك مقتدر . قبل أيام كان هاني يرتاد مجلسنا نتناقش ونتدارس ، ونتحاور في قضية من قضايا الفكر الإنساني المتعدّدة ، واليوم قضى ومضى دون وداع ، فكان لقاءً ثم فراقاً ، فسبحان من له الخلود وله الدَّوام . وسبحان من يرثُ الأرض ومن عليها . هكذا نحن على غفلتنا أحياء ، وإلى آمالنا في سباق مع الوهم ، فلا الوهم صدق ، ولا نحن قضينا آرابنا من الدنيا ولا زال بنا شغفٌ إليها برغم ويلاتها وعذاباتها حتى نستفيق على حقيقة المصير ، ونرى بأُم أعيننا أنوار الخلود الأبدي تتجسَّدُ في انبثاق الجمال الأُخروي ، في جنةٍ عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين . ومثلنا كان (هاني) يجوب آثار الأرض ، ليحرث بفكره رحابها ويستنطق غمار الأفق يستجلي حقيقة الأمل في عيون الرابضين على وحشةِ العمر في انتظار القدر . لقد عرفت هاني فيروزي منذ حداثة العمر وكنت ألمَحُ جهاده ومجاهدته لتحقيق الأثر الأخلاقي في مجابهة الجهل الإنساني ، يحاول أن يغرس نبتة الفضيلة ، في عالم يصطخب في متاهات الغربة , وشهوات الرغبة , ولقد تمنى وتعنى ، ومشى على أشواك الحياة يلملمُ حروف اللغة ويبعثها معانٍ تَرِنُّ في أذن العصر وهي أصداء الذكرى في مجمع التاريخ الإنساني ، ليكون ضمن حلقة الدائرة الكونية الإنسانية واحداً من الذين يطرقون أبواب النسيان كلَّما عنَّ للنسيان أن يغلق أبواب الذكرى الحيَّة النابضة بأحاديث السيارة على مفترقات دروب الحياة . وحينما نتذكَّرُ هاني فيروزي ، نذكر قيمة أدبية رسمت بقدرها وقدرتها صوراً تشعُّ بأنوار الفكر المضيء على سواد البصائر ، يستفتحُ بالذي هو خير وينأى عن هزيمة النفس عندما يتجرأ عليها الزمان بالغفلة ويحيطها بالرهبة ، ويقتلها بالانتظار ، فلا تجد أمامها إلاَّ الرضى ، تلك هي آثاره التي نقرؤها في بقايا رحلته الدنيوية تحملها إلينا ألفاظ قلمه المحيَّرة على صفحات كتبه التي ستظل صفحات مشرقة استكتب فيها تجاربه ، وخبرته ، وثقافته المليئة بشتى أنواع العلم والمعرفة . رحم الله الأديب المؤرخ الخطيب المفوه هاني ماجد فيروزي رحمة الأبرار وأسكنه جنة الأخيار ، وحشره في زمرة الشهداء والصالحين وحسن أُولئك رفيقاً .