في السفر فوائد .. وللإغتراب بريقه .. خاصةً في زمن سلطان المادة .. وكان من الصعب جداً على الإنسان أن ينزع نفسه من أحضان وطن ، كالسودان الذي هو مترع الحب والدفء والجمال .. ورغم ذلك كنت من الطيور المهاجرة الذين أنتزعوا من أحضان أوطانهم .. وكان ذلك فطاماً قاسياً ، شعاره (ليس بالحب وحده يعيش الإنسان) ولكن عزائي الوحيد لم أرتحل بعيداً .. بل كنت وسط أحبائي وأهلي وزملائي بالمملكة العربية السعودية الذين وجدت الخير (الخير كله) من أياديهم البيضاء .. ومنذ العام 1402 ساقتني قدماي صوب ساحة العدل وسط الرياض بحثأ عن مكتب (صحيفة الندوة) الذي كان يقبع وسط عدد من المكاتب التجارية .. وجمعتني اللحظة بالأستاذ القدير محمد القدادي ، مدير مكتب الندوة التحريري ، والأستاذ نايف الحكمي مدير المكتب الإداري أن ذاك .. وتعرفت عليهم ووجدتهم مرحبين بمقدمي .. وكنت أتردد بين حين وأخر متبسماً وراضياً بذلك .. وكان المكتب أن ذاك ليس به سوى ثلاثتنا بالتحرير ، أنا والزملاء القدادي وصالح ألريمي الذي كان لايتجاوز عمره الثلاثة عشر عاماً ، وبندر القطاني في الإدارة .. وخلال فترة وجيزة من الوقت تم تعييني بالمكتب من قبل الأستاذ القدير حامد مطاوع الذي وجدت فيه القدوة والتقدير .. وتعلمت تلك الفترة أبجديات التعلم والبحث بين مفردات الصحافة والعمل المضني في التصوير والتحرير تارةً متفائلاً وقادراً على العطاء الذي وهبني الله به ونحن ملتفون قبائل وجماعات تعظيماً وتقديراً لصحيفتنا العزيزة الندوة التي فرحنا بها جميعاً بعدما تأملت فسح المال للقلب والعقل وأنا في إنتظار ميدان الحياة التي كان لابد أن أنسى ما نواجه من مخاطر العمل الصحفي لنستدل على معاني الرحمن بدلاً من الإقامة في حدود الغمة التي تصيب الإنسان .. فالجهد كان مضني والعمل بأريحية تامة يشجع على الحراك بلا قيود برغم الصعاب التي تعودنا عليها والأستاذ القدادي من أسفار شرقاً وشمالاً ووسطاً حاملين تكليفات رؤساء التحرير رغم الإمكانات البسيطة .. كانت بحق هي أيام نقف لها إجلالاً وتقديراً رغم المعاناة الصعبة وعدم توفير الكاميرات والأجهزة الحديثة التي نشهدها الآن والتي علمتنا معنى الحياة .. وكانت يقظة النفس وقناعات الرضا وإنتهاجها أكثر من أن يسيطر عليها غاشية من شتات الحياة .. وحسب إعتقادي ما زالت صحيفتنا (الندوة) الفتية التي أعطتنا وأعطيناها معطيات الحب وإشراقاتها دوماً تضيء دائرة إهتمامنا .. وفي خضم هذا الزخم الإعلامي الذي نعيشه ونحن أبناء الندوة كان لابد لي أن أتذكر جيش من الزملاء الذين تقاطروا على مكتب الرياض ذهاباً وإياباً .. منهم الزملاء محمد ألأحمري ، يحي زريقان ، محمد اليحي ، إبراهيم الجار الله ، مبارك البيشي ، ومن ثم محمد عابس ، خالد الثبيتي ، محمد أبوعمير وآخرون منهم من يعيش بين ظهرانينا ومنهم من قضى نحبه .. وخلال تلك السنوات العديدة كانت الندوة الصحيفة تراوح مكانها بين الصعود والنزول بعد تغيير القيادات التحريرية والإدارية .. وحينها تفاقمت الأزمات لأكثر من عشرة سنوات ، وكنا نصارع الزمن في اللحاق بركب التطور الذي جاء بطيئاً .. لأن هناك من كانوا يخرجون إلى العالم صوراً زاهية على واقع كان قاتماً وكانوا يمرون على مقدمات الأمور بلا مبالاة عرفنا بها وجرت علينا كالسيل الجارف .. فإذا بأحلامنا هشيم تذره رياح العتمة .. وتأكيداً لذاتنا كأبناء للندوة القراء تقاضينا كل هذه المألات وحملنا تلك التعابير الصادقة التي تفيض بالمشاعر الدافئة وبالسوأل والسفر بهما إلى مدائن الترحاب المتبسم مستعيذين بالله من أن نتعادى مع إنسانيتنا بصورة ترسم أمواج جارفة من العطاء المتدفق متكلين على الله بعد أن رسم مؤخراً خارطة المسير ( الرجل الهمام) سعادة الأستاذ هشام كعكي رئيس التحرير الذي في عهده نلحظ حركة دائبة وسط دهاليز (الندوة) تتمثل في التطوير المرتقب .. مما يعنى أن الندوة ستشهد نقلة نوعية ونشاطاً ملحوظاً يبشر بالكثير من المؤشرات الإيجابية في تمتين العلاقة بين الزملاء من جهة وبين الصحيفة والقراء من جهةً أخرى