قال الله تعالى: (وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين) (الانعام: 133). أشارت هذه الآية الكريمة إلى ثلاثة توجيهات تربوية مهمة هي: غرس معاني أسماء الله الحسنى وصفاته في الناشئة ، والاهتمام بمراعاة سنن الله في خلقه ، وطاعة الله تعالى باتباع ما شرع أمراً ونهياً ، وفي هذا المقال أشير إلى التوجيه الأول وجزء من التوجيه الثاني وهما: الأول: غرس معاني أسماء الله الحسنى وصفاته في الناشئة. إن الله سبحانه وتعالى غني رحيم له الأسماء الحسنى ، والصفات العلى ، وكثير منا يقرأ أسماء الله الحسنى ، وصفاته العلى ، ولكن دون تدبر ، وتأمل ووعي ، وإدراك لما تتضمنه من معان سامية جليلة ، تغرس في النفس البشرية الثقة ، واليقين بقدرة الله تعالى ، وعظمته.وهذا التوجيه مبحث تربوي عظيم يحتاج من المربين بعامة ، والباحثين التربويين بخاصة مزيد عناية واهتمام لبيان مدلولات ومضامين أسماء الله الحسنى وصفاته العلى ، لغرسها في نفوس الناشئة ، لتكون دافعاً قوياً لزيادة الإيمان ، وسياجاً ، ومنعة من التفريط في جنب الله تعالى. الثاني: الاهتمام بمراعاة سنن الله في الأرض إن الحياة منذ أن خلق الله تعالى الأرض ، وهي تسير إلى أجل مسمى علمه عند الله سبحانه ، والناس فيها في ابتلاء ، وكر وفر يتكون من خلال ذلك كله الثقافات والحضارات ، وكم من أمم عاشت سنين طويلة ، ثم أصبحت في ذاكرة التاريخ تروى أخبارهم ، وما كانوا عليه من صلاح أو فجور.والله تعالى خلق الخلق لعبادته واتباع ما أمر به واجتناب ما نهى عنه ، والكون كله بما فيه تحت مشيئته وقدرته سبحانه وتعالى ، وقد وضع به قوانين وسنناً عامة يسير عليها ، ومن عرفها والتزم بها التزاماً كاملاً نهج نهجاً موفقاً ، فاستحق رضا الله تعالى في الدنيا والآخرة ، ومن سار على غير هدى ، ولم يتعرف على سنن الله تعالى ، فسيكون مآله الخيبة والخسران ، والعياذ بالله.ويجب على الإنسان المسلم أن يأخذ العبرة ، والعظة من أحوال الناس والأمم السابقة ، وأن الله قادر على إهلاك أمم ، والإتيان بغيرها ، وأن يتعرف على السنن الكونية التي تسير عليها حياة الأمم ، وقد تأكد هذا في كثير من توجيهات الشارع الحكيم ، فقال تعالى: (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) (آل عمران: 137) ، وقال تعالى: (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم) (النساء: 26) وقال تعالى: (قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين) (الانعام: 11) ، وقال تعالى: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين) (النمل: 69) ، وقال تعالى: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين) (الروم: 42). هذا وسيتم في المقال القادم بإذن الله تعالى استكمال التوجيه الثاني والاشارة إلى التوجيه الثالث. وبالله تعالى التوفيق وهو الهادي إلى سواء السبيل.