نجاح الحج ، عبارة ائتلفناها في كل عام واعتدنا على سماعها بعد كل موسم حج ، وأصبحنا ننتظر اصدارها في بيان رسمي من كل جهة ، فعندما تعلن وزارة الصحة عن خلو الحج من أي امراض او حالات وبائية او محجرية وان كل المؤشرات ايجابية وان الوزارة تطبق جميع الاجراءات الوقائية المتقدمة، وعندما تعلن ادارة الدفاع المدني عن عدم وقوع أي حوادث أو أي اصابات ، وعندما تعلن ادارة المرور عن نجاح خطة السير وعدم حدوث أي اكتظاظات ، وعندما تعلن وزارة التجارة عن استقرار اسعار المواد الغذائية وتوفيرها وعدم ضبط أي مخالفات وثبات أسعار الاغنام والسيطرة على عدم ارتفاعها وعندما تعلن البلديات عن عدم وجود أي مخالفات سواء في صلاحيات المواد الغذائية او الباعة الجائلين أو مستوى النظافة وأن جميع الاعمال تسير وفق الخطط والبرامج المعدة ، عندما تعلن كل تلك الجهات وغيرها من الجهات المسؤولة والعاملة في موسم الحج عن هذا النجاح الباهر ، فإن ذلك أمر جيد ويبعث على الاطمئنان ، ولكن ذلك قد يضع أمامنا علامات استفهام ، ويطرح تساؤلات عديدة ، فتجمع بشري هائل مثل موسم الحج والذي قل ان تجد له نظيراً في العالم ، وتجمع عدة ملايين من البشر في مكان واحد ووقت واحد لايمكن بحال من الاحوال ان يخلو من السلبيات ، فهي طبيعة البشر وسنة الحياة ، ونحن هنا لا نشكك فيما يبذل من جهود كبيرة ولا نقلل من أهميتها ، لكن لماذا تفتقد بعض الجهات الى الشفافية والصراحة والوضوح في إعلان النتائج ، ولماذا لا نمتلك الجرأة في الاعتراف بالاخفاق عند حدوثه في بعض الجوانب ، فان ذلك كفيل بتدارك كل السلبيات وتلافيها في المرات القادمة ، فالاعتراف خطوة صحيحة نحو التصحيح ، والاخفاق ليس عيباً ، فكل الانظمة البشرية معرضة للخطأ والاخفاق ، كما أن الاعتراف بالخطأ او الاخفاق لاينقص من قيمة الجهود المبذولة ، بل انه يشير بجلاء الى انه هناك جهود كبيرة وعمل دؤوب ، فمن لا يخطئ لا يعمل ، كما أن استراتيجية تجنب الاخفاق لن تمنع حدوثه حتى في أكثر دول العالم تقدماً وعلماً وحضارة. وقد يعجب البعض حينما يخرج أحد المسؤولين ويصرّح بكل جرأة انه فاشل ! بل إن هناك من يعتبر ذلك روحاً انهزامية أو فقداناً للأهلية الحسية ، بينما هذا المبدأ هو قمة الشجاعة والاحساس العالي بالمسؤولية التي تتطلب أن يتخلى الشخص عن كل ما هو دون المصلحة العامة وأن يتجرد من أي أهواء في لحظة يدرك بها انه يسير باتجاه الإضرار بالواجب والإخلال بالمسؤولية ومن خلفه مصالح الناس وسمعة البلد. ثقافة راقية وإيمان كبير وتجرّد من الأهواء تحتاجها تلك الجدلية لفهم عمق تلك العلاقة بين حقيقة الاعتراف بالفشل وبين الإصرار عليه وايجاد المبررات غير المنطقية للاستمرار في واجهة البهرجة والقيادة الفارغة وفي ظل التصفيق والتطبيل من بعض وسائل الاعلام المغرضة والمحيطين ، وهو ما يفتقد لأبسط مقومات الإدارة وأبجدياتها التي لم تعد تنطلي على أحد !!